كل يوم
تلاعب طبي
دكتورة مواطنة، والدكتورة هنا تعود إلى كونها طبيبة، لا كونها حاملة شهادة دكتوراه في أي من مجالات «التنظير»، أصابها عارض صحي، قررت الذهاب للمرة الأولى في حياتها إلى مستشفى خاص في دبي، مستخدمة بطاقة التأمين الصحي الممنوحة لها من جهة عملها، وبمجرد دخولها المستشفى تم تحويلها إلى مختبرات عدة لإجراء فحوص مختلفة لها، ناقشتهم باللين والهدوء، لمعرفة سبب تلك الفحوص، وهي تشرح لهم أنها لا تحتاجها إطلاقاً، ومرضها بعيد تماماً عمّا يحاولون إثباته، ولا علاقة للمرض بتلك النوعيات من الفحوص.
لم تجد من يسمعها، فاضطرت إلى إخبارهم بأنها طبيبة، وتعرف تماماً أن العلاقة بين الفحوص المطلوبة ومرضها، كالعلاقة بين صحن «الهريس» وصينية «المنسف» الأردني، وجبتان ثقيلتان على المعدة، لكن لا رابط بينهما!
ومع ذلك أصر المستشفى على إجراءات الفحوص، واعتبروا المسألة حياةً أو موتاً، إما الفحوص أو «مع السلامة»، وتحت الضغط وافقت شريطة أن تعرف كلفة هذه الفحوص قبل إجرائها، قيل لها: «وما علاقتك بالفاتورة، التأمين سيدفعها، وهي بالضبط 6000 درهم»!
الدكتورة طبعاً رفضت الضغوط، وخرجت من المستشفى وهي تصرخ في وجوههم «لن أسهم في خسارة حكومتي 6000 درهم، وأنا أدرك تماماً أن الأمر لا يخلو من التلاعب والاستغلال»!
زميل آخر، يعاني ألماً في أذنه، اتجه إلى مستشفى خاص، وبعد أن أجريت له فحوص عدة، تم تصويره بالأشعة أربع مرات، ثم أعطي 14 نوعاً من الأدوية، والآن وبعد أكثر من أسبوع مازال الألم قابعاً في أذنه، لم يبارحه على الرغم من الأدوية التي لا يعلم إن كانت خاصة بالأذن فعلاً، أم أنها للأنف والحنجرة أو ربما لحالات الإمساك!
المثالان السابقان، لا أقصد بهما التدليل على سوء التشخيص، أو سوء الوضع الصحي في المستشفيات الخاصة، فهذه قضية أخرى، فيها من القصص الخيالية ما فيها، لكني أقصد هنا تحديداً، سوء استغلال التأمين الصحي من قبل مستشفيات وعيادات خاصة يتم التعامل فيها مع حاملي البطاقات كأنهم غنيمة كبيرة يجب عصرها والحصول على أكبر فائدة منها، والضرر النهائي من ذلك يقع على كاهل الحكومة التي تتكبد مبالغ هائلة تقدمها إلى شركة التأمين سنوياً!
ملايين مهدرة، على شكل وصفات لا لزوم لها، وعلاجات مبالغ فيها، وفحوص غير ضرورية، تطلب فقط من أجل زيادة مبلغ الفاتورة النهائية، وفي الأخير علاج رديء ومال ضائع!
الوضع ربما يكون أسوأ بكثير مما نتوقع، والأموال المهدرة أيضاً ربما تكون أكثر بكثير مما نتوقع، والمستفيدون هم لاشك قلة قليلة، والتواطؤ والاتفاقات السرية وصفقات ما تحت الطاولة أيضاً أمور غير مستبعدة، فالغنيمة كبيرة وتكفي لتقاسم أطراف عدة، فالمسألة فنية بحتة، والرقابة قد تكون مكلفة وصعبة، وطرق التحايل كثيرة ومتنوعة!
أليس من الغريب أن تصر شركة تأمين صحي على عدم إعطاء دائرة محلية تقارير تفصيلية عن نوعية العلاج، وأصنافه، وأساليبه التي اتبعتها المستشفيات الخاصة مع موظفي تلك الدائرة، تحت حجة «أسرار المرضى»؟!
المسألة تدعو إلى الشك والريبة، فمن حق الدوائر معرفة ومراجعة الفواتير، والتدقيق على نوعيات العلاج، لأن نظرة طبية فاحصة، ستكشف من دون شك مئات بل ربما آلافاً من حالات التلاعب الشبيهة بحالة الدكتورة، وحالة صاحبنا الذي مازالت أذنه تؤلمه إلى الآن!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه