نفحات فضائية
زمان.. كانت محطاتنا التلفزيونية تقسم دوراتها البرامجية في رمضان إلى «شفتين» نهاري وليلي. في النهار تقدم برامج أقرب إلى فضيلة الصيام، دين وتاريخ وطبخ. وفي الليل تخلع الصيام عن الجوارح بعد أن تفطر البطون، فتتحول الشاشة إلى «فرفشة» ومسلسلات وأفلام ووصلات طرب حتى فترة الإمساك، لتبدأ الدورة من جديد. هذه «الازدواجية في المعايير» وُوجهت بانتقادات وملاحظات بأن رمضان نهار وليل، وهو صيام في النهار وقيام في الليل، ونظامأ ترويض للنفس لتتعود على ما لم تتعود عليه طوال شهور السنة، وغير ذلك من دروس وقيم الصيام ومقاصد رمضان. وبعد خروج المحطات إلى الفضاء تلقت فضائيات العربية الرسالة ولكن على طريقة «ولاتقربوا الصلاة»، فوحدت أيام رمضان بلا فرق بين ليل ونهار، فجعلت «الفرفشة» وعرض المسلسلات التي يغلب عليها الغث والإساءة لمقاصد الصيام مع البرامج الدينية والتاريخية، تتناوب بها على الصائم قبل لحظة أذان المغرب إلى ما بعد أذان الفجر، فاختلط السمك مع اللبن مع التمرهندي، على رأي إخواننا المصريين. وبعد أن كانت هناك نفحة من احترام لحرمة الصيام في النهار تبخرت هذه النفحة بعد أن اختلط الحابل بالنابل، ودخل الأبيض على الأسود وساد اللون الرمادي هذه القنوات كما هو الحال في الكثير من الأمور الأخرى في سائر تفاصيل حياتنا، فقد تلاشت الخطوط الفاصلة بين المعايير لتختلط المفاهيم.
إضاءة: درجت إذاعة القرآن الكريم من أبوظبي في السنتين الماضيتين على عرض حلقات من برنامج «على مائدة الإفطار» للراحل الشيخ علي الطنطاوي، رحمه الله. وقد كانت لفتة كريمة ووجبة دسمة رغم خفتها وذلك بفضل خفة ظل مقدمها وما تمتع به الشيخ من قدرات وإمكانات علمية وإعلامية سبق بها من عاصروه، فكان بحق سابقاً لعصره. وقد غاب هذا البرنامج عن مائدة إفطار الإذاعة في رمضان الجاري مع أن موائدنا البرامجية بحاجة إلى مثله.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .