للصائم فرحتان

مؤسساتنا ووزاراتنا الحكومية ليست وحدها هي التي تعاني فائضاً في الوقت، بل يبدو أن بين المواطن العربي بشكل عام وبين الوقت وداً مفقوداً، إذ غالباً ما يهدر وقته في ما لا يسمن ولا يغني من جوع.

الغريب أننا أفضل من يضيع الوقت، فنحن أصحاب الحكمة الشهيرة التي تقول: «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك» والأخرى التي تقول: «الوقت من ذهب»، ولا أظن أن هناك من لا يحفظهما عن ظهر قلب، لكن الآفة تكمن في أننا نحفظهما فقط باللسان، أما الفعل والتطبيق فهما في وادٍ ونحن في وادٍ آخر.

لماذا لا نقدر قيمة الوقت ولا نعرف كيفية استثماره على النحو الذي يؤدي إلى المزيد من الإنجاز والعطاء؟

لماذا لا تتحول تلك الحكم والأمثال إلى واقع عملي وممارسة ميدانية في حياتنا؟

ربما تكون الأسباب واضحة ومعروفة، لدى معظمنا، لكن إيقاع الحياة يسرقنا، فلا ننتبه للوقت، نذهب إلى مواعيدنا متأخرين، فنعتقد أنها غير مهمة.

وما يَصدُق على مواعيدنا ينطبق على أمورنا الحياتية الأخرى، لأن المسألة لا تقف عند حد إضاعة الوقت وإهداره، بل تتعداه إلى الإهمال في إنجاز العمل وتأجيله ثم نسيانه وتراكمه، والنتيجة فوضى حقيقية في كل شيء.

ونحن في هذا الشهر الفضيل لابد أن نستشعر أهمية الوقت وضرورة استثماره على النحو الأمثل، والاستفادة منه في الاستزادة من الحسنات والطاعات التي تقربنا إلى الله، لكن البعض يظن أن رمضان فرصة سانحة لمتابعة كل جديد في مجال الدراما فيقضون الساعات الطوال أمام الشاشة الفضية، يتنقلون بين القنوات كأنهم في سباق يخافون أن يخسروه! يلتفون حول صخب القنوات والنجوم المشاركة الذين قُدّمَت لهم ألوان من الدعم المادي يفوق الخيال. والمحصلة أنهم ربحوا أموالاً كثيرة.. أما نحن فقد أضعنا الأجر وروحانية رمضان. وفي الصباح يذهبون إلى أعمالهم متعبين ومرهقين من السهر ثم يحمّلون رمضان وزراً هو بريء منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب، ويتخذون منه «شماعة» يعلقون عليها صداعهم وعصبيتهم ومزاجهم السيئ الذي يتنافى مع الحكمة الرائعة التي فرض من أجلها الصوم، وما ينطوي عليه من سمو روحاني ونفسي، فقدنا معنى الحديث الشريف الذي يقول في ما معناه «للصائم فرحتان» ولكننا بدلنا الفرحتين بالتقاعس عن العمل ومتابعة الدراما الرمضانية!

من المفترض أن يكون الصائم في غاية الهدوء والطمأنينة النفسية والتهذيب وحسن المعاملة في كل الأوقات، سواء في نهار رمضان وهو يقضي حوائج الناس، أو يقوم بعمله على النحو الأمثل، وفي الليل لا بد أن يحوله إلى خيمة للتقوى تحلق فيها القلوب في أمداء سماوية، ترتفع الأكف بالدعاء بالخير لكل الناس، وبالسلام لهذه الكرة الأرضية التي تعبت من عذاباتها وجراحاتها وأحزانها. هكذا يفترض بالمسلم الصائم أن يكون، لا أن يجلس أما شاشة التلفاز مثل «أراجوز» يضيع في ليله صيام نهاره.

فهل نغتنم الفرصة الرائعة التي يقدمها لنا رمضان، ونُعمل «سيف» الوقت في كل سلوك سلبي فنقطع الطريق على كل ما يهدر أوقاتنا؟ وهل نضع لأنفسنا خطة نسير عليها، نقيس بها مدى إنجازنا أو إسرافنا في أمرنا؟ فبغير هذا سيظل الوقت يسبقنا من دون أن نلحق به.

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها . 
 

الأكثر مشاركة