بداية في فيلم «بداية»
حظي فيلم «بداية» لمخرجه كريستوفر نولان، الذي كتب له السيناريو، بنقد كاسح، فمن نحو 78٪ من بين النقاد وجدوه مبتكراً وجديداً، وفي نحو 249 مقالة نقدية، حصل فيها على ثمانٍ إلى 10 نقاط. كما حصل في بعض الإحصاءات على 100 نقطة من قبل 42 ناقداً. الكل وصفوه بأنه فيلم ذكي وجديد ومثير، وأنه الأنجح من بين أفلام الإنتاج الكبيرة، فقد كلف إنتاجه 170 مليون دولار، وصُور في ست دول: اليابان، وأميركا، وكندا، وفرنسا، وإنجلترا، والمغرب، لكن إيراداته تجاوزت، حتى 18 أغسطس، 565 مليون دولار، منها 250 مليون دولار، جاءت من الولايات المتحدة الأميركية، ودخل بهذا قائمة أنجح 100 فيلم في كل الأزمان.
لم يتجاوز كريستوفر نولان الـ40 من عمره، وأصبح، حسب الناقد الألماني رولاند هوشكه، واحداً من أنجح المخرجين في هوليوود، ويأتينا الآن فيلمه السابع «بداية»، وكما هو معهود، فإن شخصياته مازالت تناضل، في الدرجة الأولى، في معارك ـ أكشن قوية ومثيرة، ضد الجنون، الذي يجول في نفوسهم. ويعقب الناقد الأميركي، ذو النفوذ الكبير، روجر إيبرت حول الفيلم: «إما أن يستطيع أحد أن يلخص حدث الفيلم في جمل قليلة، أو لا شيء، فهو فيلم أصيل يحبس الأنفاس في كليته، كما أنه يشبه متاهة مُحيرة، وموضوعه قابل للتأويل بشكل لا نهائي». ووصفه ناقد ألماني: «ابتكرت السينما من أجل هذا الفيلم، عمل ذكي إلى أبعد حد ومثير بصريا بشكل فريد».
هل يمكن أن يؤسس «بداية» لنوع جديد من الأفلام؟ فهو ليس فيلم أكشن وليس شبيهاً بأفلام الإثارة وليس بوليسياً ولا حتى فيلم خيال علمي، إنه مزيج خيالي/سريالي من كل هذه الأنواع، وإذا ما عدنا الى تاريخ السينما، فسنجد كيف بدأ النوع، الذي يكشف الواقع أثناء ما تعبر أحداثه عن الحقيقة والجنون أو عن حالة هوس ذهني، تلبي، في عالم فوضوي، حنين الإنسان إلى عالم نصفه حلم ونصفه واقع، حنين إلى أجواء السحر والأشباح لعصر مضى، لكن لم يتم نسيانه بالكامل، وكما حصل بعد الفيلمين الصامتين «غاليغاري»، و«نوسفيراتو/مصاص الدماء»، يمكن، بعد نجاح فيلم «بداية»، أن يستطيع بعض مخرجي الدرجة الثانية أن يصنعوا نوعاً جديداً، يبدو أنه سيدمر الأنواع السائدة، ليعيدوا تشكيلها في نوع مبتكر، خصوصا أن هوليوود نفسها أصبحت، في عصر العلم، تلبي حاجة الناس إلى الهروب من لا معقولية العالم إلى عالم الشاشة، ليصنع، بدوره، عوالم لا معقولة شبيهة بالعالم، الذي نعيش فيه.
ماذا يقول كريستوفر نولان نفسه؟: «فيلمي فيلم (جيمس) بـوند شخصي تماماً، ففي نهاية المطاف لم تكن أفلام 007 سوى نتاج لخيال بلا حدود، لأن كل ما يراه الإنسان في الحلم ويسمعه هو من صنع عقله الخاص، وهو إذ يتحدث في الحلم مع احد، أثناء ما تنشأ حوله عوالم لا تصدق، فإنه يتحدث مع نفسه، ففي الحلم، كما لا يخفى على أحد، يصبح كل شيء ممكنا».
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .