كل يوم
جمعية الشارقة «النووية»
ما تعرض له الزميل المصور الصحافي مصطفى قاسمي وهو يؤدي واجبه في تصوير أجزاء من جمعية الشارقة «النووية»، عفواً أقصد «التعاونية»، ليس حادثاً عابراً، ولا هو موقف يحتمل سوء الفهم، ويمكن تجاوزه، بل هو موقف يحمل كثيراً من المؤشرات المهمة التي تعانيها صحافة الإمارات بشكل عام.
المسألة لا يمكن حصرها في الخشونة والإيقاف بالقوة من قبل رجال الأمن في الجمعية، ولا في استدعاء رجال الشرطة واقتيادهم مصطفى قاسمي إلى المركز الذي ظل فيه قرابة خمس ساعات، كما أنها ليست محصورة في إحالة المصور إلى النيابة، على الرغم من أن هذه الأشياء جميعها تمثل عوائق كبيرة في مسيرة العمل الصحافي في الإمارات.
هناك مؤشرات أخرى خلف هذه الحادثة، أولها غياب الثقافة العامة عند كثيرين، وما مدير الجمعية إلا مثال حي لنماذج عديدة منتشرة في مختلف الدوائر والوزارات العامة والمؤسسات الخاصة، فالمدير المذكور لم يفرق بين مكان عمله الذي يعتبر وفقاً للقانون مكاناً عاماً، وبين بيته الخاص، ووصل الخلط بينهما إلى الحد الذي يصرخ فيه ويقول: «كيف تسمح لنفسك أن تدخل بيتنا من دون إذن»، وهكذا الحال عند كثيرين مازالوا يتعاملون مع المكتب ومكان العمل كأنه «عزبة» أو «ملكية» خاصة، تؤول إليهم، حاله كحال المنزل وغرفة النوم وحديقة البيت الخلفية!
إضافة إلى ذلك، هناك معضلة أكبر، عادة ما تواجهها صحافة الإمارات، فالمشكلة ليست هي دائماً القضية المحورية التي يجب على المسؤولين البحث عن حلول لها، بل تبقى قضيتهم الرئيسة هي عدم وصول هذه المشكلة إلى الصحافة، وتظل قضيتهم المحورية عدم النشر، وفي حالة النشر يتناسى الجميع المشكلة الرئيسة، ويبدأ البحث عمن كان سبباً في النشر، ويبدأ الاشتباك مع الصحيفة، أما مشكلات الناس الحقيقية فلا أحد يبحث عنها!
هذا تماماً ما حدث، جمعية تعاونية مملوءة بالمواد الغذائية، الخاصة بالأطفال والكبار، يرتادها آلاف من البشر يومياً، ظلت طوال فترة تزيد على 12 يوماً من دون تكييف، ما يعني فساد الأطعمة والمعلبات، وإجهاد الزبائن والموظفين العاملين فيها، على حد سواء، ومع ذلك لم يكلف المدير نفسه طوال الفترة الماضية عناء البحث عن حل لإصلاح أجهزة التكييف أو حتى استبدالها، بينما «شد حيله» على الآخر، وأضاع قرابة خمس ساعات من وقته لاحتجاز مصور صحافي، ولو أنه أضاع نصف هذا الوقت لحل مشكلة التكييف لكان الحال أفضل بكثير!
مؤشر آخر يشكل تحدياً خطيراً، هو الاستعلاء على الصحافة من قبل صغار المسؤولين، فمدير فرع جمعية تعاونية لم يصل بعد إلى درجة مدير إدارة أو وكيل وزارة، أو حتى وزير، يصدر أوامر لرجال الأمن في الجمعية باحتجاز المصور والتعامل معه بخشونة، ويحاول أخذ كاميرته بالقوة، ثم يطلب الشرطة، ويقتادونه إلى المركز، وهناك لم تفلح محاولات الضابط في إقناع «مدير فرع جمعية تعاونية» بعدم وجود مخالفة قانونية، فالجمعية مكان عام و«ليست منشأة نووية»، ولا مانع من التصوير فيها، بل إنه قال له وبالحرف الواحد: «لو كان يصور أمراً إيجابياً لاستقبلتموه أحسن استقبال»، ومع ذلك تمت إحالة المصور إلى النيابة العامة، وهذا يعني «تحقيق واستجواب وسين وجيم»، كل ذلك لأنه أدى واجبه، استجابة لشكاوى الناس من سوء وضع الجمعية!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .