كل يوم
المسألة ليست «قواماً جميلاً»!
30٪ من المتزوجات المواطنات، في الفترة العمرية من 25 إلى 30 عاماً، يتجنبن الحمل، بسبب رغبتهن في الحفاظ على قوامهن أو بسبب الوظيفة. هذا وفقاً لمسح حديث أجرته منظمة الأسرة العربية، وبين أن هناك امرأة بين كل ثلاث مواطنات تستخدم موانع للحمل.
خطورة ذلك أن معدلات الخصوبة انخفضت لدى الإماراتيين من 5.7٪ إلى 1.4٪، وذلك حسب مؤشرات الأمم المتحدة، ويعني ذلك أن الأم الإماراتية التي كانت تنجب من ستة إلى سبعة أطفال، أصبحت لا تنجب اليوم أكثر من طفلين، هذا الرقم أدى إلى أن تفقد الدولة ما يقارب الـ200 ألف طفل متوقّع.
هذه المؤشرات الخطيرة، والأرقام المقلقة، لو أنها ظهرت في أي من الدول الأوروبية لعقدت البرلمانات فيها جلسات طارئة، ولسنّت الحكومات قوانين عدة، وأعدت الجهات المختصة الدراسات والمشروعات والمقترحات بسرعة كبيرة، لأنها ببساطة ستُعتبر من المشكلات القومية المصيرية التي تحتاج إلى أولوية في التفكير والتدبير، لكنها مع خطورتها على دولة، تعاني أصلاً خللاً كبيراً في تركيبتها السكانية، ومشكلات ديموغرافية عدة، إلا أنها طُرحت وعُرضت ومرّت على الجميع مرور الكرام، وكأن شيئاً لم يكن!
من المقلق حقاً أن تصل نسبة الخصوبة عند الإماراتيين إلى الحد الحالي، ومن غير المعقول أن تكتفي الأسرة المواطنة بطفل أو طفلين، لكن أيضاً من الخطأ أن نتعامل مع الأسباب بسطحية، ومن غير المنطقي أن نُرجع سبب عدم إنجاب المواطنات إلى رغبتهن في المحافظة على القوام، لأن في ذلك بعداً عن الحقيقة وتجنياً على المواطنات والمواطنين.
تدني نسبة الخصوبة مشكلة كبيرة، مرتبطة بمشكلات أخرى، ومرتبطة بممارسات وقوانين وتغيرات على مجرى الحياة في المجتمع بأسره.
والمسؤولية تقع على الجميع، تقع على الجهات والوزارات الاتحادية التي لم تسنّ التشريعات المناسبة للحفاظ على المواطنين وتشجيعهم على الإنجاب، فليست قوانين الحمل والولادة تنصف المرأة وتجعلها أكثر راحة وأريحية في الحمل والولادة، بل إنها تشكل عائقاً أمام ذلك، فكم من مواطنة فقدت وظيفتها بسبب تكرار حملها، وكم من مواطنة فقدت فرصاً وظيفية بسبب الحمل.
في المقابل لا توجد أية حوافز أو علاوات أو مزايا مالية للموظف المواطن صاحب العائلة الكبيرة، فهو متساوٍ في الراتب والمزايا مع المواطن العازب، لذا فمن غير المنطقي أن نطالب الناس بالإنجاب في ظل ظروف حياتية صعبة، وغلاء فاحش، وارتفاعات مستمرة في كل ما له علاقة بالأولاد، بدءاً من الحليب إلى كلفة العلاج، ورسوم الدراسة، ومتطلبات المدارس والحياة، ونحن لم نوفر لهم الحد الأدنى من العلاوة التي تكفيهم لشراء «حفاضات» أبنائهم لمدة أسبوعين!
هناك خلل في المنظومة بشكلها المتكامل، هناك نقص في التشريعات، يتبعه نقص في القوانين الخاصة بالأبناء وتشجيع إنجابهم، ونقص في المخصصات المالية المشجعةأ والمحفزة، وهناك سوق لا ترحم، وتجار يرفعون الأسعار بسبب ومن غير سبب، وهناك نظام صحي غير متكامل، ومدارس تجارية لا تهدف إلا إلى جني الأرباح، وهناك حياة صعبة بكل المقاييس، تختلف تماماً عن الحياة السابقة التي كانت متطلباتها بسيطة، وهناك مواطن مازال يسكن في شقة صغيرة، فكيف نطلب منهم بعد ذلك كله رفع مستوى الخصوبة إلى ستة أو سبعة أطفال، وكيف يمكن أن نحصر سبب تدني الخصوبة عند المواطنات في رغبتهن في الحفاظ على قوامهن فقط، من دون النظر إلى بقية المنظومة!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .