محاذير ومخاوف تباين دخول أفراد المجتمع
إذا كانت التقارير المحلية والدولية تشير إلى أن معدل دخل الفرد في الإمارات يعتبر من أعلى الدخول في العالم، وإذا كانت وسائل الإعلام الإماراتية تتحدث عن هذا المعدل بالكثير من التباهي والاعتزاز، وإذا كانت مؤسساتنا الاقتصادية والتنموية تنظر إلى معدل دخل الفرد باعتباره مؤشراً مهماً إلى التنمية التي تشهدها الإمارات، وأنه أحد أهم المؤشرات التي تعتمد عليها المنظمات الدولية في تقييمها للتنمية في الدول والمجموعات، فإنه لابد من الإشارة هنا إلى أن هذا المعدل لم يكن قط معياراً وحيداً لمستوى التنمية إذا لم توازهِ معدلات التنمية الأخرى، فهناك تباين واضح وصريح بين دخول الأفراد، إذ إن هناك رواتب كبيرة ومرتفعة تمنحها دوائر وهيئات حكومية محلية لموظفيها تتباين بشكل كبير بين إمارة وأخرى؛ ومن ناحية أخرى فإن دخول الأفراد من الرواتب والأجور العاملين في الحكومات المحلية، لاسيما في أبوظبي، تفوق رواتب وأجور العاملين في الهيئات والوزارات الاتحادية في الإمارة نفسها؛ ومن ناحية ثالثة، فإن رواتب وأجور العاملين في السلك العسكري (الجيش والداخلية) تفوق كثيراً رواتب وأجور العاملين في السلك المدني.
وهكذا هو الحال بالنسبة لطبقات المجتمع الثلاث، إذ إن هناك طبقة تستأثر بدخول هائلة وهي محدودة في عددها، فيما هناك طبقة متوسطة تراجعت دخولها بشكل كبير إثر الأزمة المالية والخسائر التي تكبدتها في قطاع العقار وأسواق المال (أبوظبي ودبي)، خصوصاً أن هذه الشريحة التي يفترض أن تشكل المحرك الأساس للاقتصاد تآكلت مدخراتها، وتفاقمت مشكلاتها المالية بعد أن تراكمت ديون المصارف التجارية عليها، وأصبحت مطلوبة إما للسداد أو القضاء والسجن!
أما الشريحة أو الطبقة الثالثة، فهي طبقة الفقراء ـ سواء من المواطنين أو الوافدين ـ التي تعتمد كلياً على مصدر دخل وحيد هو الرواتب والأجور المتسمة بالمحدودية، وتنضم إليها شريحة العاطلين عن العمل، وهي في تزايد وسجلت تزايداً أخطر خلال العامين الماضيين بسبب التراجع الحاد في دخول الطبقة الوسطى التي تفاقمت أوضاعها المالية فوقعت في محيط الطبقة الفقيرة، إذ اتسعت وتزايدت أعداد المنتمين إليها، ما ينذر بأوضاع معيشية واقتصادية صعبة حتماً ستكون لها انعكاساتها الوخيمة وردود فعل عنيفة إذا لم تعمل الأجهزة المعنية على تدارك أوضاع الطبقة الوسطى باعتبارها أهم الطبقات المؤثرة في الحراك الاقتصادي والتنموي، وفي ظل رفض أفرادها الانضمام إلى طبقة الفقراء حيث الظروف المعيشية الصعبة.
أما اتساع طبقة الفقراء وتزايد أعداد المنتمين إليها وتزايد أعبائها المعيشية في ظل ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة فإنها ستصبح بيئة خصبة للتوترات وتفشّي مختلف أشكال وصور الجريمة والانحرافات السلوكية، وعجينة سهلة التشكيل للعنف والتطرف إذا لم تتدخل أجهزة الدولة في معالجة جذور الفقر فيها وتحسين ظروفها المعيشية!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .