من المجالس
رمضان شهر الشراء.. وهو ليس كذلك، ولكننا ما دمنا قد جعلناه كذلك فعلينا أن نكون مستعدين لإحصاء فواتيره. فبعد رمضان سيضطر الناس لإصلاح ما أفسدوه في صحتهم وصحة جيوبهم.
أما الصحة فهي عند القليل من الناس تأخذ بالتوجيه النبوي الشريف «صوموا تصحّوا»، وبنصيحة الأطباء لانتهاز فرصة الصيام لتعديل الأوزان المختلة، والتوازنات المائلة في تركيبة أجسادهم الكيميائية من دهون وكوليسترول وسكر وأملاح وغيرها من مسببات أدواء العصر. وأما أكثر الناس فقد انجرفوا مع وساوس الجوع، وانزلقوا في خدعة منبهات عصافير البطون، وأصرّوا على الجري إلى الأسواق وهم صائمون لينقضّوا على كل ما وقعت عليه أعينهم وامتدت إليه أيديهم، وتمسكوا بالاعتقاد أن لرمضان موائد يجب أن تكون مختلفة عن مائدة سائر الشهور على اعتبار أن «رمضان» هو صاحب براءة اختراع «البوفيه» الذي تتنوّع فيه الأصناف إلى درجة جور بعضها على بعض!
هؤلاء الصائمون المبتلون بتخمة رمضان، وما أكثر افتراءاتنا عليك يا رمضان، سيجدون صحتهم محاصرة بالكثير من التهديدات والعديد من الأخطار التي تنتظر لحظة الحسم لتوجيه الضربة القاضية. وسيتوجهون إلى العيادات والمستشفيات لإصلاح ما أفسده رمضان.. نعم رمضان هو السبب. وإذا كان الهدم سريعاً والتخريب سهلاً، فإن البناء يحتاج إلى زمن، والإصلاح تعترضه الكثير من الصعوبات. والزمن يعني جدولة وأدوية ونظاماً غذائياً صارماً ربما يجعل صاحبه يصيح حسرة على كرم رمضان الذي لم يُرع حق الرعاية، والصعوبات تبدو في الإرادة، والمراجعات المستمرة للطبيب، والأدوية التي قد تبدو لآخذها كأنها زنزانة تسكن النفس قبل الجوف.
وهكذا فإن رمضان الذي يفهمه العقلاء على أنه شهر الصحة والزهد ومحاكاة الفقير والمحتاج فيكون وقود بقية شهور السنة لصحة أفضل ونفس أصفى وعقيدة أقوى، أصبح عند الكثير من الناس بالمقلوب، لتدفع سائر الشهور فاتورة الشهر ليتم الإصلاح في أحد عشر شهراً ما تم إفساده في شهر واحد.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .