سبارتاكوس والهولوكوست

قبل أيام فقط، شاهدت فيلماً وثائقياً عن سبارتاكوس، وفوجئت بالنهاية الغريبة، حيث لا أحد يعثر على جثته بعد محاصرته وجيشه والقضاء على ثورته.

وفي الفيلم الكلاسيكي الذي كنا شاهدناه من قبل، رأينا جثة سبارتاكوس مصلوبة كبقية الجثث التابعة لجيش العبيد الثوار.

هذه النهاية التي ربما تبدو في الفيلم الوثائقي أقرب إلى الحقيقة، ظلت غائبة طوال قرون، وصار لزاماً علينا أن نعرف الصواب، والأسباب التي أدت إلى هذا التناقض. لقد أشرنا أكثر من مرة، إلى أن التاريخ يصحح أخطاءه، وهو يحتاج الظروف الموضوعية الملائمة تارة، والأفراد المعنيين بالحقيقة تارة أخرى. وعلى هذا الأساس تقوم في العالم اليوم مراجعات تاريخية للعديد من الأحداث والوقائع، التي لايزال كثير منها ملتبساً، على الرغم من الكشف عن كثير من القرائن التي قد تقود إلى الصواب.

والحديث عن صَلب جثة سبارتاكوس، يشبه إلى حد كبير تلك المشاهد الوثائقية التي سربتها الـ«سي آي إيه»، عن القبض على جيفارا وتصفيته. فكلا الرجلين كان ثائراً عظيماً في التاريخ الإنساني، وربما تكون من مصلحة السادة والقوى المهيمنة، أن يبينوا للعالم كله أن هذه هي النهاية الحتمية لهؤلاء الثوار والمتمردين.

لقد شاع الفيلم الأميركي عن سبارتاكوس، إلى درجة أنستنا واجبنا تجاه الحقيقة التاريخية. وعدم العثور على جثة سبارتاكوس بعد المعركة، يعني أن يتحول هذا الثائر ضد إمبراطورية كبرى إلى رمز يشبه رموزاً عظيمة أخرى للمستضعفين، مثل بوليفار مثلاً. وقد يقول البعض إننا أسرى نظرية المؤامرة، ونرد بتوكيد وجود المؤامرة، ويكفي أن فلسطين كلها ضاعت بسبب مؤامرة كونية أصبحت واضحة تماماً.

كان مشهد صلب سبارتاكوس على عمود خشبي، مسماراً في الأمل الذي أوجدته ثورته العظيمة. وكان خبر انتصار جيفارا، واصطحابه لاحقاً بعض الرجال إلى أدغال بوليفيا، يشكل مفتاحاً للوصول إلى قناعة الضعفاء بقوة حقهم وقدرتهم على الانتصار. لكن ما حدث، هو محاصرة كوبا وتصويرها بلداً معزولاً وفقيراً وضعيفاً، وتصوير جيفارا على أنه مغامر رومانسي حالم، متناسين أن هذا المغامر حقق انتصاراً مذهلاً من قبل.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: لماذا جرى سن قانون محاكمة العداء للسامية في أوروبا؟ ولماذا يسمح للمؤرخين بمراجعة تاريخية لأي حقبة تاريخية، ولا يسمح لهؤلاء بمراجعة الحقبة النازية، للوقوف على حقيقة ما جرى حقاً؟

لقد تعرض الكثير من هؤلاء المراجعين التاريخيين إلى المضايقات كالفصل من جامعاتهم، والتهديد بقتلهم، والسجن، والغرامات الهائلة، فقط لأنهم شككوا في تفاصيل الهولوكوست كما تنقلها الرواية الصهيونية. ولم يكن التشكيك من باب التعاطف مع النازية، أو مع الفلسطينيين الذين يتعرضون إلى أبشع أنواع العبودية والقهر. وقد اعتمد كثير من هؤلاء المؤرخين على دراسات ميدانية وعلمية، أثبت فيها بعضهم أن ما سمي بـ«أفران الغاز» لم يكن ليستوعب ما يقال عن ستة ملايين يهودي. وأثبت آخرون أن حرق الجثث كان شائعاً في تلك الحرب، بالنظر إلى خطورة انتشار الأوبئة الفتاكة.

مسموح للناس أن يثبتوا صحة وجود طروادة، وحصارها، ومسموح لهم التلاعب في مصائر العديد من الرموز التاريخية مثل سبارتاكوس وكليوباترا وجيفارا وعبدالناصر، ولكن من غير المسموح به التشكيك في الهولوكوست، ولو كان ذلك استناداً إلى العلم!

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة