أبواب
ماراثون الدراما الرمضانية
مازلنا حتى بعد انتهاء شهر رمضان نعاني الاستدعاءات الكثيرة للكولسات التي تم فيها الإنتاج الدرامي الماراثوني العربي خلال الشهر الفضيل، ومازالت بعض المسلسلات تثير شغباً إعلامياً في أكثر من فضائية، وذلك حول الملابسات التوثيقية في بعض الأعمال الدرامية مثل مسلسل «الإخوان» ومسلسل «كليوباترا» على سبيل المثال لا الحصر، ومدى نجاعة الكتابة في مثل هذين الموضوعين، وأمانتهما التوثيقية.
لكن ما لم يتم الالتفات إليه هو ارتهان الدراما العربية وصمتها السنوي، واعتمادها الكلي على التسويق الرمضاني، ومسابقة البيع للفضائيات والتباهي بوضع كلمة «حصرياً» على جانب الشاشة التلفازية. وهذا يعني ان القوى الخلاقة في فن كتابة الدراما التلفزيونية العربية قد قامت باعتقال نفسها في إطار الموسم الرمضاني، وهذا ما بات يسعى اليه المنتج، والمخرج، والفنان النجم الذي أصبح اسمه جزءاً مهماً في التسويق.
والاعتقال في الإنجاز الدرامي التلفزيوني الرمضاني امتد الى طاقات الفنانين العرب، بحيث صار الفنان العربي ومع انتهاء أي دورة رمضانية، يبدأ بالسعي لدى الاطراف المُنتجة للدراما عربياً، كي يحصل على الدور الذي يرسخ كيانه الجماهيري خلال دورة شهر رمضان المُقبل.
ووسط هذه الظاهرة استطاع بعض النجوم العرب في الدراما المصرية والسورية أن يتحولوا الى أصحاب أرقام نقدية فلكية، بسبب تورم قيمة الأجور التي يتقاضونها في كل دورة درامية رمضانية. وصار البعض منهم يحمل لقب المليونير، بسبب الملايين التي يتقاضاها أجرا عن دوره. وبالتالي صار النجم الذي تدر له الدراما التلفزيونية في رمضان هذا البيض الذهبي، يعفي نفسه من التعامل مع أي مسلسل درامي لا يُبث في رمضان.
هذا من جانب، ومن جانب آخر بدأ المضمون الدرامي وبحكم سهولة حصول المنتج وكادر المسلسل على كل هذه الملايين، يتحول الى التعامل مع نطق الملايين بين أبطال المسلسل بسهولة تجعلك تعتقد أن المليون جنيه يمكن التعثر بها في أي شارع من شوارع القاهرة وأزقتها، وبالنسبة لكاتب المسلسل والمنتج لا يكلفهما هذا إلا تلك الجلسة الصباحية على حافة تلك البركة، وأمام تلك الفيلا التي محقتها الدراما المصرية بسبب كثرة استعمالها في المشاهد، وتبادل بعض الحقائب المملوءة حتى حافتها بالدولارات. وأنا مازلت أذكر ذلك المشهد الذي طالب فيه أحد أزواج «الحاجة زهرة»، بمبلغ قيمته خمسة ملايين جنيه كي يمنحها قسيمة الطلاق!
إلى هذا الحد ارتهنت الدراما التلفزيونية ضمن ماراثون الدراما الرمضانية باستسهال الواقع الاجتماعي العربي، وتزويره، وإلى هذا الحد ارتهنت هذه الدراما للتسويق الرمضاني، وهي تحفر عميقاً في الوجدان العربي، لتمنحه هذا الطعم «الدونكيشوتي» للحياة. والضحية في كل عام هم البسطاء الذين يرهنون رؤوسهم في كل عام لدراما تلحس أذهانهم بالخزعبلات.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .