الطلاق ثانياً وثالثاً و... عاشرا
لم يكشف تقرير المركز الوطني للإحصاء الذي نشرته «الإمارات اليوم» في 12 سبتمبر الجاري، معلومات ونِسباً صادمة عن حقيقة الطلاق في مجتمعنا، بل كشف أيضاً حقيقة الوضع المأساوي الذي وصلنا إليه في ما يخص وعينا المجتمعي والأسري، لاسيما بين الشباب.
الأرقام التي نشرت تبين تزايد الطلاق بشكل مطرد منذ خمس سنوات، ما يعني أن لدينا مشكلة لم ننجح في حلها أو على الأقل التخفيف من حدوثها. أكثر من ذلك نحن أمام تزايد سريع نسبياً في ارتفاع معدلات الطلاق، وربما نقرأ في العام المقبل أن النسبة تضاعفت. ليس في الأمر مبالغة فالأرقام الحالية تفيد بأن تزايد نسبة الطلاق ليست زيادة عادية، فنحن أمام نسبة تضاعفت بل وفاقت الضعف في عامين فقط، حيث قفزت من 2783 في العام 2007 لتصل إلى 4315 في العام .2009 وميزة الأرقام أنها لا تكذب ولا تتجمل، ولا ينفع معها تصريح من هناك ينفي، أو رد من مسؤول يشكك.
الأرقام التي بين أيدينا تعني أننا أمام خطر داهم، وأن أسرنا مفككة أو في طريقها إلى التفكك، ولن تجدي نداءات هنا أو مطالبات هناك في حل مشكلة عويصة مثل هذه. ما يجدي عادة في معالجة الظواهر الاجتماعية ذات الطبيعة المعقدة هو البحث عن الأسباب، ومن ثم محاولة علاجها. نحن نعرف أسباب الطلاق أو بعضها على الأقل، لكننا نقف عاجزين تماماً عن فعل شيء يغير المعادلة.
لماذا؟ هل الأسباب أكبر من قدراتنا مجتمعاً ومؤسسات اجتماعية وتربوية على العلاج؟
هل الخلل في طبيعة التمدن الذي لم يكن مدروساً في بعض الأحيان؟
هل الابتعاد عن تعاليم الإسلام ونصوصه المتعلقة بالعلاقة بين الرجل والمرأة والحياة الأسرية، هو السبب في هذا «الضنك» الذي تواجهه بيوتنا؟
أسئلة كثيرة ومرة وجارحة يثيرها التقرير المنشور، لكن أكثر ما يؤلم أن مجتمعنا يشهد في مقابل ازدياد معدل حالات الطلاق، يشهد على الضفة الاخرى تراجعاً واضحاً في معدلات الزواج، ما الذي يعنيه هذا؟ وأي مصيبة تكمن وراء عزوف الشباب عن الزواج من جهة، وإقبال المتزوجين على الطلاق من جهة ثانية؟
هل يدرك المعنيون بالأمر وبالشأن المجتمعي ما يعنيه ذلك مستقبلاً من مخاطر اجتماعية وأسرية واحتمالات الانحراف والتشرد وارتكاب السلوكيات المشينة وغيرها مما ينمو في البيئة الخصبة التي يوفرها التفكك الأسري أو العلاقات المحرمة التي يستعاض بها عن الزواج الشرعي؟
هذه مشكلة لم يعد يجدي فيها التحذير بل تحتاج إلى فعل حقيقي يتجاوز الجوانب المظهرية ويؤسس لحلول جذرية تصل بالشباب المتزوجين حديثاً إلى بر الأمان، وتقي الأسرة الوليدة شرور المشاحنات والخلافات التي تُحدث شروخاً عميقة في جدرانها فتنهار على رأسي الزوجين بعد فترة وجيزة.
نحن في خطر داهم يا سادة وعلينا جميعاً أن نشمر عن ساعد الفكر والعمل والجد لنجد مخرجاً يقينا تبعات قاسية لا يعلم نتائجها إلا الله وحده.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .