رؤية
العلاقات الاقتصادية الخليجية ــ الأوروبية
ترتبط دول الخليج بعلاقات اقتصادية تاريخية مع مختلف الدول الأوروبية، خصوصاً الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
وتقوم هذه العلاقة على أساس المصالح المشتركة، وكان للشركات الأوروبية، لاسيما البريطانية منها، السبق في الوجود في منطقة الدول الخليجية إبان الانتداب البريطاني وخضوع المنطقة لهذا الانتداب بموجب اتفاقات ومعاهدات، لاسيما بعد اكتشافات النفط، إذ سعت بريطانيا إلى احتكار امتياز التنقيب عن النفط في الخليج، ومع قيام دول الخليج وتحقيق استقلالها السياسي كان للشركات الأوروبية، خصوصاً الإنجليزية دور بارز في عمليات التنقيب عن النفط واستخراجه وتصديره.
وعلى الرغم من الأهمية الاستراتيجية لكل طرف بالنسبة للآخر، وعلى الرغم من تنامي المصالح المشتركة بين الطرفين وتطورها، فإن المفاوضات بين الطرفين لإقامة منطقة للتجارة الحرة متعثرة، على الرغم من مرور أكثر من 20 عاماً على توقيع الاتفاقية الإطارية بين الطرفين في 15 يونيو .1988
وعلى الرغم من أهمية التسريع في المفاوضات وإبرام هذه الاتفاقية لتحفيز الشراكة التجارية والاقتصادية في ما بينهما، إذ لا يبدي الجانب الأوروبي جدية حقيقية نحو معالجة العقبات التي يوجدها في كل جولة من جولات المفاوضات، على الرغم من أن دول الاتحاد الأوروبي هي المستفيد الأكبر من إبرام اتفاقية منطقة التجارة الحرة بين الطرفين باعتبارها الطرف الأقوى، فميزان القوى يميل بحدة لمصلحة الاتحاد الأوروبي بسبب حجم سوقه التجارية، وقدراته الإنتاجية والصناعية، وإمكاناته التقنية والفنية، وطاقاته البشرية وخبرته الطويلة، واستراتيجيته الاقتصادية؛ فيما تتسم دول الخليج بأسواقها الناشئة والهشة، ومحدودية قدراتها الإنتاجية، ونزعتها الاستهلاكية، ومحدودية إمكاناتها الفنية والتقنية والبشرية؛ وفي ضوء هذا التباين الواضح والصريح فإن دول الاتحاد الأوروبي هي المستفيد الأكبر في حال إبرام الاتفاقية، خصوصاً مع إلغاء التعرفة الجمركية في دول الخليج في ظل تحرير الأسواق، وفتحها أمام الواردات والاستثمارات العالمية.
إن التزام دول الخليج بتنفيذ شروط الاتحاد الأوروبي، لاسيما في شأن فتح جميع القطاعات الاقتصادية بدول الخليج، ومعاملة الشركات الأوروبية معاملة الشركات الوطنية الخليجية نفسها، وتحرير تجارة الخدمات التي يطالب الاتحاد الأوروبي بتحريرها بشكل كامل، إضافة إلى الشروط التي يمليها في ما يتعلق بالشركات الحكومية التي يطالب بتحريرها كلياً، ومنحها ـ أي الدول الأوروبية ـ معاملة تفضيلية تتجاوز الامتيازات التي تمنحها اتفاقية منظمة التجارة العالمية لأعضائها، كل ذلك من شأنه أن يشكل خللاً واضحاً في الأوضاع الاقتصادية، وأن يؤثر سلباً في قطاعات إنتاجية بدول الخليج، لاسيما القطاع الصناعي، فتحرير قطاع المشتريات الحكومية مثلاً، وإعطاء الميزة التفضيلية للشركات الأوروبية إنما يعني إلغاء حماية الصناعات الوطنية، ويشكل ذلك تعارضاً مع استراتيجية المفاوضات التي أقرّتها دول الخليج.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .