استعادة زمن القصّ الجميل
كانت صفعة قوية قد تلقتها القصة القصيرة كقناة إبداعية، وذلك من خلال القفز على رموزها وتهميشهم في المنتديات والمهرجانات الثقافية في أكثر من عاصمة عربية، واعتبار القصة القصيرة من الفنون الابداعية البسيطة التي يمكن تعلمها في المعاهد وفي المساقات الجامعية.
وزادت الصفعة قوة حينما تم تقميش فن القص ضمن التقرير التلفزيوني، والتقرير الصحافي، وحتى في الأفلام الوثائقية القصيرة.
وإذا عدنا إلى الزمن الذي تألقت فيه القصة القصيرة عربياً فلابد أن نعود الى رواد مثل يحيى حقي ويوسف ادريس ونجيب محفوظ وزكريا تامر، وكيف استطاع هؤلاء الرواد أن يكرسوا كتابة القصة القصيرة كفن نادر وصعب المراس، وتكريس هذا الفن جماهيرياً، وتخليق الرغبة في الإقبال عليه بشغف.
وزمن تألق القصة القصيرة يعيدنا ايضاً الى غوغول وتشيخوف وموبسان، وكل الكتابات القصصية التي تحولت الى ذاكرة قرائية لا يُمكن نسيانها.
لكن التسارع الحداثي والقفز السريع في تنوع الأشكال الادبية، والطفح الذي أصاب بعض القنوات الإبداعية أدى الى اختلاط الحابل بالنابل، وتكريس فكرة النص المفتوح الذي يسرق عافيته الكتابية من الشعر، ومن القصة القصيرة تحديداً، والامعان في كتابة قصيدة النثر التي استفادت هي الاخرى كثيراً من القصة القصيرة، ومن جملها المكتنزة والمختصرة.
ولأننا في زمن تألق الرواية وسطوة حضورها، فقد تم محق القصة القصيرة تماماً، وباتت عند بعض السذج من الروائيين العرب محض فعل تدريبي على كتابة القصة الطويلة، أو الرواية!
وفي الندوة النقدية التي نظمتها جمعية النقاد الاردنيين في العاصمة الاردنية عمّان قبل عامين حول القصة القصيرة، تجرأ أحد النقاد العرب مطالباً بتكفين القصة القصيرة كفن. وضرورة التحاقها السريع بفن الرواية.
وإزاء هذه الهجمات المتتالية على فن القصة حدث عند القاصين العرب ما يُشبه الاستنفار الثقافي، وتحديداً في العاصمة الاردنية عمان، حيث أقامت الدائرة الثقافية التابعة لأمانة عمان ملتقى القصة القصيرة الاردني والعربي الأول. وتبع ذلك مؤتمر خاص بالقصة القصيرة في القاهرة.
وضمن هذا السياق الدفاعي عن القصة القصيرة كفن نادر أقيم في العاصمة الأردنية عمان الملتقى الثاني للقصة القصيرة، الأسبوع الفائت، بحضورٍ أردني وعربي مكثف، يُعيد عبر جلساته وقراءاته النقدية العافية الى فن القصة القصيرة.
بقي ان نقول ان على كتاب القصة العرب أن ينهضوا بإبداعاتهم القصصية، ليعيدونا الى زمن القص الجميل الذي افتقدناه طويلاً.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .