«غريندايزر»

لي زميل يعمل مهندساً في إحدى شركات البترول، سامحها الله، تم إرساله في رحلة عمل إلى اليابان، فذهب لأسابيع عدة، ثم عاد وهو يحمل لي هدية مميزة فعلاً، كانت الهدية عبارة عن مجسم كامل وبالغ الدقة لـ«غريندايزر» مصنوع من مادة الفايبر كاربون التي تصنع منها سيارات «البوغاتي» الحديثة، التي لم نركبها قط، وكان المجسم يحتوي على جميع التفاصيل المعروفة، حيث يمكن حمل «الرزة المزدوجة» من الكتفين واستخدامها، واليدان تتحولان إلى الصحن الدوار وهناك رعد الفضاء وآلية «كوجي كبوتو» قطعة مستقلة كما يحتوي المجسم على ثلاث أو أربع قطع من مراكب «فيجا» الصفراء اللطيفة.

الهدية كانت إبداعية ومميزة بحق، ونجحت في اختطاف سعادة لم تصنعها هدايا الأقلام والساعات والعطور التقليدية التي نتلقاها دورياً لولا أن صاحبي «نسي» الفاتورة في داخل الكيس، والتي تشير إلى أن ثمن هذه التحفة المستحق يقترب من 3000 دولار أي ما يفوق الـ10 آلاف درهم بقليل، ربما كان يعتقد لسبب أو لآخر أنني سأذكر له هذا الجميل إن حدث وسافرت إلى اليابان ذات يوم، وهو لا يعلم أن رأسماله سيكون أن أحضر له تلك المنشفة التي يستخدمها مصارعو السومو كـ«هاف مايوه» مع ورقة «إيه ـ فور» تشرح طريقة لفها في حال سمحت الميزانية.

هدية زميلي القيمة ذكرتني بما رواه لي زميل يعمل مديراً للعلاقات العامة في إحدى الدوائر الحكومية أن مدير دائرته قد تلقى «هزاباً»، وتقريعاً شديد اللهجة من الجهات المسؤولة عندما كشفت أن دائرته خصصت مبالغ بعشرات الملايين لما يعرف ببند «الهدايا التذكارية»، وقد تم فتح ملفات جميع المؤسسات الأخرى، بسبب تلك الحالة ومراجعة ما يتم صرفه وتوزيعه في المناسبات المختلفة، كالأعياد ورمضان وغيرها بمعنى أن تلك الدائرة قد خربت على الجميع بمبالغاتها غير المنطقية في هذا الموضوع.

وفي حادثة أخرى تم اكتشاف أن إحدى الإدارات التي أحيلت إلى التحقيق في قضايا فساد كانت تقوم بشراء هدايا لزبائن مشروعاتها، تبلغ تكلفة الواحدة منها أكثر من قيمة ربح العقار أو المشروع، وتعد تحفاً حقيقية نادرة.

الهدية في ذاتها جزء أصيل ولا يتجزأ من تراثنا ومقدراتنا الاجتماعية، وكما يقول رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام: «تهادوا تحابوا»، وللهدية وقع لطيف على نفسية المتلقي وتهذيب جميل لنفسية المعطي، ولكن المبالغة بها من قبل البعض خصوصا إن كانت من جيب الحكومة يجعلها تصنف ضمن أطر أخرى وذلك عندما تشكل عبئاً حقيقياً على ميزانيات يفترض بنا، حتى وإن كنا في وضع طيب، أن نحرص على تقنينها، تماشياً مع السياسات المالية لدول العالم أجمع في هذه الفترة.

وإذا كان لابد فلنكتفِ بمجسم لـ«غريندايزر» من الكرتون المقوى، أليست الفكرة هي الأهم؟!

shwaikh@eim.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .
 

الأكثر مشاركة