خبراء المفرمة
الخبر يقول أصدرت إدارة التنفيذ في دائرة قضاء أبوظبي، برئاسة القاضي إدريس بن شقرون، قراراً ببيع محتويات مطعم أبوشقرة في المزاد العلني، لمصلحة أحد عمال المنشأة، طبقاً لكشف موجودات حصرتها دائرة التنفيذ في وقت سابق.
والسبب أن إدارة المطعم التي رفضت تنفيذ حكم قضائي بدفع تعويض قدره 150 ألف درهم للعامل أشرف عبدالسميع، لإصابته التي أدت إلى فقدانه أحد أصابع يده اليمنى ونسبة عجز في اثنين من أصابع اليد نفسها أثناء العمل، وأوفدت المحكمة خبيراً مستقلاً للكشف عن المفرمة التي تسببت في الحادث، وأكد الخبير أنها تخلو من وسائل الأمن والسلامة المتعارف عليها، وهو ما اعتبرته المحكمة إهمالاً من جانب صاحب العمل يستوجب تعويض العامل طبقاً للقانون.
للأمانة أسعدني الخبر كونه يحافظ على حقوق وإنسانية عامل حضر إلى إماراتنا الحبيبة لبناء مستقبله، ولم يأت بالتأكيد ليفقد جزءاً من جسمه، كما أن إعجابي قابله استغراب من وجود خبير للمفرمة، ولا أدري للأمانة ما هي الشهادات العلمية التي يجب توافرها في موظف ما، ليصبح مع الوقت متمرساً في علم «الفرم»، ويبدو لي أن الأمر يحتاج إلى ممارسة وتدرج يبدآن من التعامل مع المطاحن الصغيرة للبن والتوابل، وينتهيان بالتعامل مع المفرمة التي لا تفرق بين اللحم الحيواني والبشري وتأكل ما يصادفها من دون خوف أو رهبة.
هناك من يرى أن الحصول على مبلغ 150 ألف درهم مقابل خسارة إصبع أهون من الحصول على مبلغ مماثل بعد سنوات طويلة من الغربة وفراق الأحبة والأهل، بالإضافة إلى العمل الشاق بين الصحون والطبخ وتقديم الوجبات للزبائن، كونك لا تستمتع بجسمك مكتمل الأصابع، بعد أن ينهكك التعب ويمر العمر وأنت تمارس الفرم، ليستمتع غيرك بأكل اللحم.
الخبر كشف عن أن الدية الكاملة لفقد الأصابع الـ10 يبلغ 200 ألف درهم، والعامل فقد إصبعا واحدة من يده اليمنى ونسبة عجز في اثنتين من أصابع اليد نفسها وحصل على 150 ألف درهم وهو ما يحمل تساؤلات كثيرة منها: ماذا لو فقد العامل إصبعاً مع عجز في اثنتين من أصابع اليد اليسرى؟ فالمنطق يقول إنه سيأخذ عن كل يد 150 ألفاً، ليصبح المجموع 300 ألف درهم، ويتخطى بذلك الدية المقررة مع ملاحظة أن العامل ستتبقى له أربع أصابع لو فقد إحداها سيزيد المبلغ وهكذا.
ولحل المعضلة السابقة، أقترح أن يتم توفير خبراء تثمين أصابع على غرار خبراء المفارم، بشرط أن تكون لديهم قدرة على تحديد الثمن المناسب لكل إصبع، حسب استخداماتها من قبل صاحبها، فمثلاً حارس المرمى ومن يعمل في التعليم والذي يستخدم آلة برايل يختلف ثمن إصبعه، من وجهة نظر شخصية، عن الشخص الذي يستخدم أصابع يده في توقيع المشروعات المصيرية الناجحة، كما تختلف دية أصابعه عمن يوقع بها على مناقصات المشروعات التي تحمل شبهة الفساد غالبا بمفرمة رسمية، لا يقدر الخبراء حينها، مهما بلغت درجة معرفتهم في التقنية، على تحديد شروط سلامتها التي لم يشاهدوها إلا في مفرمة أبوشقرة واضحة للعيان.
لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .