الفرج بعد الشدة
تمر على الناس محن طاحنة، ومشكلات قاتلة، وهم فيها بين كر وفر، ولا يسلم منها إنسان؛ لأن دوام الحال من المحال، وقد قالوا:
ثمانية تجري على سائر الورى ولابد للمرء أن يذوق الثمانيه
سرورٌ وحزن واجتماع وفُرقة ويسر وعسر ثم سُقْمٌ وعافيه
وإنما تعرف معادن الرجال عند اشتداد المحن، وكثرة الإحن، فمن كان إذا أصابته مصيبة ولول منها واستنفر، ولم يُعد للقائها جَلَد الشجعان وهمة الفرسان، فإنه يكون في هذه الحياة عالة على غيره، ينتظر منيته بفارغ صبره، أما الذي يقابلها بالعمل الدؤوب والثبات عند الكروب، فهو الرجل الذي يقل نظيره لاسيما في عالم اليوم المتشابك المصالح، مع ترامي أطرافه، واختلاف أشرافه.
فالأزمة العالمية التي طحنت العالم ولازالت تفتك بأفراد البشر على اختلاف أجناسهم وبلدانهم، تعتبر محك الرجال الذين تتفاخر بهم الأمم، وها هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي يفاجئ الكل هذه الأيام ببشارته بانفراج الأزمة المالية في دبي، وأن الأمور تعود إلى نصابها، والاقتصاد يتعافى سريعاً، والمشروعات الطموحة الجارية لم تتوقف، في الوقت الذي لايزال كثير من الدول والبلدان في مرج الأزمة وحمأتها الفاتكة، فكيف يكون لدبي هذا الانتقال السريع والانفراج المريع، إلا بهمة وقّادة، وريادة وثّابة، من هذا الرجل الذي يعي أقواله قبل أفعاله، ويعلم كيف يدير الأزمات بحنكة الأفذاذ، إلى طريق الإنقاذ، فقد كان يقول لسان حاله، يوم أن أمطرت «دبيا» أقوال الخراصين والشامتين والحاسدين:
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى فما انقادت الآمال إلا لصابر
نعم ما انقادت إلا لصابر مثابر، فمن جد وجد، ومن زرع حصد، ولا يكبُر على الرجال مثل هذه العواصف التي غالباً ما تكون نتاجاً لعمل مقصود، قد تنبئنا بها الأيام المقبلة، إلا أن الجِد مع التحدي أصعب من الجد الاختياري، فكثير من الناس إن واجهوا تحديات طاشت سهامهم، فيقابلونها بغير رويّة، ولا همة عليّة، وهذا عنوان الفشل الآخر، وليس هذا من صفات أهل الكمال من الرجال، وسموه حفظه الله لا يعرف هذا الأسلوب في إدارة الأزمات، فقد نظر إلى هذه الأزمة بعقل سوي، وفكر روي، حتى خرج منها كأنها لم تكن، وها هو اليوم يبشر العالم بانتهاء تلك المحنة التي انطوت على منحة، وهي التي أشار إليها الشاعر بقوله:
جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تنغـــــصني بريقي
وما قولي لها مدحـــا ولكن عرفت بها عدوي من صديقي
هكذا يقول الحكماء، وعلى الناس أن يستفيدوا من هذا الأسلوب التربوي في السياسة والاقتصاد، وما أجدرني في هذا المقال من تمثل قول الشاعر:
اشتدي أزمة تنفرجي قد آذن ليلك بالبهج
أو قول الآخر:
ربما تكره النفوس لأمر لها فَرجة كحل العِقال
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .