أبواب
«نوبل» ماريو فارغاس يوسا
رغم كل التغميزات والتلميزات التي تقال بحق جائزة «نوبل»، إلا أنه يُمكن الجزم بأن هذه الجائزة السنوية في حقل الآداب تحديداً، تظل تقدم للعالم في كل عام ولقرائه الأسماء الإبداعية التي تستحق فعلاً هذه الجائزة، وبالتالي يُشكل الإعلان عن اسم الفائز بهذه الجائزة حالة من لفت الانتباه الى هذا الرمز الابداعي أو ذاك، لتبدأ دور النشر بعد ذلك بالانكباب على ترجمة الأعمال الإبداعية للفائز بجائزة «نوبل».
ولحسن حظ القراء العرب، فقد قامت دور النشر العربية بترجمة معظم أعمال الكاتب البيروفي ماريو يوسا الى العربية، قبل سنوات عدة من فوزه بهذه الجائزة. ومن يقرأ أعمال يوسا لابد أن يقول لنفسه: لماذا لم يحصل هذا السارد العظيم والعميق على «نوبل» من قبل؟ ويوسا الذي حضر الى العاصمة الأردنية عمان قبل سنتين تقريباً تحدث عن عوالم الواقعية السحرية التي تظل تميز المضمون الروائي الخاص بروايات أميركا اللاتينية، وقد فسر سبب سحرية هذه الواقعية بقوله «حينما استيقظ الديناصور وجد أنه مازال هناك».
الى هذا الحد يعي يوسا وضعية الاختلاط العرقي، وتباين الأصول وأنواع الجغرافيا وتقلباتها في دول أميركا اللاتينية، وقد عاش يوسا هذا الاختلاط الخلاق في روحه وفي اعتراكاته الدائمة، مع الظلم الذي عاشته دول اميركا اللاتينية، والانقلابات السياسية والثورية التي حكمت هذه الدول.
واعتباراً من روايته «البيت الأخضر»، ورواية «محادثة في الكاتدرائية» التي صدرت عام ،1969 إضافة الى روايته «امتداح الخالة»، فإن الصوت الإبداعي ليوسا أخذ في الاعلان عن نفسه، وهو يستبطن في هذه الأعمال أدق التفاصيل السيكولوجية لأبطاله المثقلين بمعاناة الوجود.
وفي روايته ذائعة الصيت «ليلة مقتل التيس» استطاع يوسا أن يؤكد المساحة اللامتناهية للقوى السردية الخلاقة التي اتسعت عنده في الرواية لإقامة دولة بكامل جيشها ووزرائها، والدكتاتور الذي يحكمها بقسوة تجعل القارئ يشعر كأنه هو الآخر يعاني الاعتقال ذاته الذي يعانيه شعب الرئيس الدكتاتور. وفي روايته «مديح الخالة» يتغلغل يوسا في الايروتيكية من خلال الصبي الذي يقع في الحب المحرم لزوجة أبيه، كاشفاً عن تعقيدات التعبير الجسدي الجنسي عند الفتى الذي يقف عند سن البلوغ، وعند المرأة التي تعبر عن رغباتها الجسدية بفنية عالية المستوى.
وفي رواية «شيطانات الطفلة الخبيثة» يعيد يوسا شخصية مدام بوفاري على طريقته الخاصة، معبراً عن الحب بتنوع أشكاله، ولحظات قوته وضعفه في آن واحد.
انّ فوز يوسا بجائزة نوبل هو دلالة على أن الأدب العميق والعظيم يستحق مثل هذه الجائزة، وقد كان يوسا بحجم هذه الجائزة.
وتعد روايات «البيت الأخضر»، ورواية «محادثة في الكاتدرائية» التي صدرت عام ،1969 ورواية «امتداح الخالة» التي نشرت عام 1988 من أشهر الأعمال الروائية ليوسا، إضافة الى رواية «حرب نهاية العالم» و«من قتل موليرو؟» و«حفلة التيس».
وقد بدأت شهرته العالمية في الستينات مع رواية «زمن البطل» التي استندت الى تجربته في الأكاديمية العسكرية في بيرو، وقد أثارت الرواية جدلاً في بلاده، حيث أحرقت 1000 نسخة منها علناً من قبل ضباط في تلك الأكاديمية. يذكر أن يوسا كان في نيويورك يدرّس في جامعة برنستون عندما أبلغ بنيله الجائزة.
وكان يوسا رشح نفسه للرئاسة في بلاده عام 1990 لكنه خسر أمام ألبرتو فوجيموري. وبعد ثلاث سنوات منح الجنسية الإسبانية. وفي عام 1995 نال يوسا جائزة «ثرفانتس» وهي أبرز جائزة أدبية تمنح لكاتب باللغة الإسبانية.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .