«حبيبتي أميركا»
قبل أن تقذف عنواني بما ليس فيه، وتتبع ذلك برجمي لأنني عميل وخائن وإمبريالي، أؤكد هنا أنني أقول حبيبتي أميركا نسبة إلى الأولى لا إلى الثانية، أي على غرار فيلم عبلة كامل الشهير «خالتي فرنسا».. وفي الحقيقة فأنا لم أنتبه إلى كثرة القواسم المشتركة بين حبيبتي وبين الدولة العظمى التي أذاقتنا الويل منذ قيامها وحتى «قيامتنا» إلا أخيراً جداً.
فحبيبتي كما هي أميركا تريد أن تحصل على كل المعلومات التي لدي، سواء عن أمور تهمها أو عن أمور يمكنها تخزينها والاستفادة منها في المستقبل، خصوصا تلك المعلومات المتعلقة بأي قوة أخرى، قد تكون مؤهلة (لمنافستها) مستقبلاً أو أي قوى ظلامية قد تشكل تهديداً لأمنها ولو على المدى البعيد، وهي في سبيل ذلك لا ترى بأساً من أن تفتش جيوب «كندورتي» وموبايلي وتطالب بحق أن تعرف «الباسوورد» الخاص بـ«الماسنجر» والـ«هوت ميل»، ورقم الترميز الخاص ببطاقة مصرفي. ولها الحق في أن تشمشم ملابسي قبل غسلها، للتأكد من أنني لا أقابل أحداً من «حلوين المشم»، وفي المقابل فإنه لا يحق لي السؤال مطلقا عن أي من تحالفاتها السرية، والجواب الذي أجده أمامي دائماً هو: «علاقتنا مبنية على الثقة»! وبالطبع فلها الحق في أن تقاطعني دهوراً دون اتصال، ولكن مقاطعتي لها بسبب انشغالي لساعات عدة، هو بمثابة «إعلان حرب». وجه آخر للشبه فالقرارات الصادرة عنها تكون واجبة التطبيق فوراً، فقطع العلاقة مع أي زميل يشك في أنه كان ذات يوم يدخن معي في دورات مياه المدرسة يصبح نافذاً وبأثر رجعي، ويمكنها محاسبتي على حضور محاضرة أكون أنا والأشخاص المدرجون في قائمة «محور الشر»، فيها وإن حوت القاعة آلاف الأشخاص، بينما تبقى علاقاتها وإن كانت مع «أعدائي» والأشخاص الذين أضعهم في قائمتي السوداء، عادية جداً وتندرج لديها ضمن دائرة «المصالح المشتركة»، وهي غير مهمة ولا جديرة بالمناقشة، طالما أنها تحبني أنا! إذا تعرضَت لحادث مروري واتصلتُ بها باكياً ومحمداً على سلامتها فهذا لا يكفي، فهي مقتنعة بأنه طالما لم أركب سيارتي على الفور، وأمسك لها براكب السيارة الأخرى وأضع ذراعيه خلف ظهره، وأسمح لها بتوجيه اللكمات إليه في بطنه وأسفل بطنه، لكي تضمن أنه لن ينجب أجيالاً «قد» يحصل بعض أفرادها على رخص قيادة ويدعمون سيارتها مرة أخرى، إن لم أقم بهذا فأنا متواطئ مع الشخص الذي صدم سيارتها، بل هي لا تستبعد أن أكون أنا من كفله لدى البنك الذي اشترى سيارته منه، على الرغم من أننا نخطط لشراء منزل لا يكون فيه سواي وإياها، فحبيبتي تصر على أن تكون الشرطي الأوحد في المنزل والمنطقة والمدينة، حبيبتي تقول لي إن حياتنا مشاركة، وهي تمر بأزمة طاحنة، لذا فجميع مشروعاتنا الاقتصادية يجب أن تكون مشتركة علي أن أقوم بالتمويل، «لأنني الرجل»، وهي التي ستقوم بالتخطيط ووضع الخطط التي ستجعلنا نعيش في بحبوحة ما تبقى لنا من العمر، يوم أمس جاءني كشف حساب مخالفات الرادار، وكان يتجاوز الـ20 ألفا، فطلبت من حبيبتي المساعدة، فصرخت في وجهي بأن «المطوع»، قال: «راتب الزوجة لها، ومن دون شريك»!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .