33 بطلاً من دون شهادة نوبل
فجر الخميس الماضي، تم انتشال آخر عامل من الـ33 الذين حوصروا 70 يوماً على عمق يزيد على 600 متر تحت الأرض. في تشيلي، ثمة أسطورة تقول: إن الأرض هي التي تلد الإنسان. والغريب أن العمال الذين فقدوا الاتصال بالعالم الخارجي 17 يوماً في البداية، كانوا بدأوا بإعداد أنفسهم وتهيئتها للخروج، فمن أين يأتي هذا الأمل؟
لن ينسى التشيليون 30 سنة من حكم الطاغية بينوشيه. لقد تعلموا الأمل من الرئيس سلفادور الليندي ومن صديقه الشاعر بابلو نيرودا، ومن الأرض. ليست الأسطورة هي التي أنقذت عمال المناجم الفقراء، ولكن ثقافة الأمل التي ترسخت في أميركا اللاتينية، هي التي فعلت ذلك. كانت معجزة حقيقية شهدها العالم كله، ونتساءل بعد ذلك عن الواقعية السحرية في روايات أميركا اللاتينية.
لقد كتب أستورياس «السيد الرئيس»، وكتب ماركيز«خريف البطريرك»، وكتب ماريو فارغاس يوسا «حفلة التيس»، وكلها روايات تصور بطش الدكتاتورية العسكرية في تلك البلاد. وهي دكتاتوريات صنّعها الشمال الأميركي، لتسمى تلك البلاد جمهوريات الموز. لكن الأمل الذي يطلع من الأرض الولاّدة، جعل الناس يثقون به، لأنهم لمسوا نتائجه منذ الاستعمار الإسباني القديم، وبعده الهيمنة الأميركية الشرسة. طلع هنالك «سيمون بوليفار» و«تشي غيفارا» و«كاسترو» و«شافيز» و«لولا دي سيلفا» و«إيف موراليس»، وغيرهم.
في «حفلة التيس» يدرك الشبان تبعات قتلهم الدكتاتور، لكنهم لا يأبهون. وفي كوبا كان «كاسترو»، و«غيفارا» ورفاقهما، يدركون قوة باتستا «تيس» كوبا المدجج بالدعم الأميركي، ولكنهم لم يأبهوا، لأنهم تسلحوا بالأمل.
وبينما كان 33 عاملاً محاصرين تحت الأرض لـ70 يوما، كان أصحاب المنجم يقيمون الليالي الحمر على متون يخوتهم، أو في قصورهم العابرة للقارات. وهذا ما ينبغي لنا أن نفهمه. فثمة صراع أزلي يظل قائما إلى أن يرث الفقراء الأرض. لا لشيء إلا لأنها أرضهم هم، وأمهم هم. فهم الذين يملأون جيوب الأثرياء بالذهب والفضة، وهم الذين تهرسهم صخور المناجم التي لا يراعي أصحابها أي شيء يسمى معايير السلامة، ولكنهم ينهمكون فقط في جمع الثروات.
هؤلاء العمال يتركون مدارسهم ويهبطون إلى باطن الأرض، لكي يعربد بعض المستبدين على سطحها. ولكن هؤلاء المعربدين، لا يرون الأمل الذي يراه العمال ويحسونه ويفركونه بأصابعهم مثل خاتم سحري.
لم يشارك أصحاب الشركة في إنقاذ العمال، ولم يذرفوا دمعة واحدة. لكنهم سيبكون ندماً ذات يوم، حين يصبح جنين الأمل في رحم الأرض ولداً وصبياً وشاباً ورجلاً كبيراً. هم الذين يشربون الآن دم الفقراء في كؤوسهم الذهبية.
أرأيتم من أين تأتي الواقعية السحرية في أدب أميركا اللاتينية؟
وتأتينا لجنة نوبل بعد ذلك، لكي تمنح جائزة السلام إلى سجين صيني، يا للهول! سجين واحد فقط، تزلزل «نوبل» الأرض لأجله، ولكنها لا ترى 33 عاملاً محاصرين لـ70 يوماً، وهم ينشدون تحت الأرض نشيد الأمل. ولم تسمع بشهداء أسطول الحرية الذين كانوا يحملون الماء والدواء، وربما الهواء، إلى أكثر من مليون ونصف المليون آدمي محاصرين في غزة.
فلتذهب «نوبل» إلى جهنم الحمرا، لأن العالم كله منح عمال «سان خوسيه» في تشيلي أوسمة الشرف والقيم الإنسانية السامية، التي لا تعرفها «نوبل»، ولن تعرفها إلى أن تصبح الجائزة ذات يوم مجرد طرفة في حياة الشعوب.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .