من المجالس
طبخة تفتيت السودان استوت، فقد قضى هذا البلد العربي الكبير عمراً وهو يتقلّب على جمر الفتن حتى أنهكته، فكانت أولى مقدمات قطف ثمار ذلك الإنهاك، إجبار حكومته على توقيع اتفاق سلام يمهد لفصل الجنوب عن بقية الجسد السوداني الكبير. وقبل أن يستشعر السودانيون بوادر السلام في الجنوب، اشتعلت فتنة دارفور وسط تلميحات أخرى باحتمال انفصال الإقليم الغربي، الذي تزيد مساحته على مساحة فرنسا، عما سيتبقى من السودان.
وربما كان البحث في الأسباب ركيزة مهمة عند البحث عن الحل، لكن طبيعة الكارثة التي تهدد وحدة السودان، الوطن والعمق الاستراتيجي العربي الضارب في أعماق القارة السمراء، تحتم الوقوف في وجه النتائج المدمرة التي تترصد السودان وعدم تركه وحيداً في مواجهة هذا المخطط الرهيب الذي لم يبدأ بالسودان، ولن يتوقف عنده، وتأجيل اللوم والانشغال بتوزيع الاتهامات.
في وقت يعجز «المجتمع الدولي» حتى عن مجرد عرض قضية الاعتداءات الصهيونية على الحقوق الفلسطينية المثبتة دولياً في مدينة القدس أمام مجلس الأمن الدولي، ويفشل في حمل الحكومة الإسرائيلية على تمديد حظر بناء المزيد من المستوطنات لمدة شهر أو شهرين فقط، يتجرأ هذا «المجتمع الدولي» على اتخاذ قرار بنشر قوات أجنبية في الأراضي السودانية من دون موافقة حكومتها المركزية، ضارباً بعرض الحائط كل المفاهيم عن سيادة الدول واستقلالها.
وأمام الصمت العربي الرهيب لا يبدو السودان هو آخر المطاف، كما لم يكن العراق آخره من قبل، وتبدو مقولة الأمن القومي العربي قد فارقت حتى كتب التنظير السياسي، وأصبح مفهوم الأمن الإقليمي أضيق أفقاً من حدود الأمن الوطني لكل دولة محيطة بالسودان، أو ترتبط معه بروابط الجغرافيا والتاريخ. والخوف أن يضيق الوقت وتخور القوى حتى عن الصياح بمقولة الثور الأسود الذي علم متأخراً أنه أُكل يوم أُكل الثور الأبيض.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.