سينما جديدة

السنوات الأخيرة شهدت نهوضاً لافتاً في صناعة السينما العربية، عبر توجه جيل جديد من الشباب إلى لغة السينما، واعتماد بلاغة المشهد تعبيراً عن أحلامهم وهواجسهم، إضافة إلى رصد تحولات في المجتمعات العربية، وتصوير ظواهر قديمة أو جديدة في تلك المجتمعات.

لقد كانت السينما بهذا المفهوم في شبه غيبوبة، إلا من تجارب رسخت وجودها وفعلها السينمائي تمثلت في رواد وتلاميذهم. وتفاوتت حساسية الصورة وقوتها ووضوحها أو مواربتها من بلد إلى آخر، وفق اعتبارات تتمحور حول ما يُسمى «الثالوث المحرم».

الآن، مشهد جديد في الفن السابع العربي، إذ يلاحظ في كثير من المهرجانات العربية والأجنبية مشاركات تتزايد عاماً بعد عام لجيل جديد مهموم بهذا الفن، على الرغم من المعوقات التي تعترض دورة الشريط السينمائي من النص إلى الشاشة.

وفي مهرجان أبوظبي السينمائي، تزايدت المشاركة الشبابية، وقبله في مهرجان دبي السينمائي، ومسابقة أفلام من الإمارات، وكذلك مهرجان الخليج السينمائي. وحقق الجيل الجديد حضوراً لافتاً في مهرجانات عربية ايضاً وكذلك أجنبية، ورصدوا عبر رؤاهم التحولات داخل النفس وخارجها.

وعلى الرغم من شح التمويل، والتباس التمويل الخارجي حيناً، وضريبته الكبيرة حيناً آخر، وكذلك الإمكانات الفنية، والتخوف من الرقابة، فإن جيلاً عربياً جديداً من المخرجين والمخرجات يواصل اجتراح لغته التعبيرية، واقتراحاته الجمالية في السينما عبر افلام روائية طويلة أو قصيرة أو وثائقية وتسجيلية.

وأعتقد أن الموران الذي يجري في الخريطة العربية، وكذلك الكوارث غير الطبيعية، التي يتمثل بعضها في الاحتلال والفقر والأمية والفساد، وظواهر أخرى متعددة الوجوه، تعتبر بيئة خصبة لقصص تقطر وجعاً، علاوة على متتالية الخيبات الجمعية والفردية. وقد تناول الشباب تلك القضايا وغيرها، مرتكزين على قصص لأشخاص يعيشون بينهم، وعبر تلك القصص الصغيرة، يكشف المشهد عن تفاصيل الألم والسؤال. وأعتقد أن الجيل الجديد تخلص من غواية الحديث في العموميات وبصيغة الجمع، ليسلط الضوء على قصص في «العالم السفلي» للنفس والمجتمع.

المشهد السينمائي يتغير، والجيل الجديد يدخل «مغامرة الشاشة» بجرأة، ويعبر عن وجع طفل يتيم له اسم وتاريخ ميلاد، يعيش في مخيم فلسطيني تتلاقى فيه عتمة الليل وعتمة التهجير وعتمة فقدان كل شيء، ما عدا الأمل. كما ينقل السينمائيون الجدد صورة عجوز لبناني فقد عينيه وأبناءه وحقله الصغير اثر غارة إسرائيلية. كما عبر السينمائيون الشباب عن معاناة أرملة عراقية فقدت عائلتها ذات صباح معتم. وتناولوا في أفلامهم الاختلالات الاجتماعية والعقلية، علاوة على أحلام العشاق وفرحة شقيقين التقيا بعد غياب طويل. إنهم يسردون حكايات الناس، ويواصلون المغامرة المتعبة والجميلة في الوقت نفسه.

وهكذا، القصص لا تنتهي، وأحلام الشاشة أيضاً.

alialameri@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة