أبواب
هذا والله أعلم
كلنا قرأنا عن قصة يوسف عليه السلام مع عزيز مصر، وكيف فسر له حلمه الغريب الذي عجز كهنته عن تفسيره. وغالباً ما يحتج الذين يؤمنون بتفسير الأحلام بتلك القصة. لكن الكثيرين ينسون أن الكهنة قالوا لعزيز مصر بعد أن فشلوا في تأويل حلمه: {أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ} (يوسف 44). في حين أن كهنة هذا العصر ممن امتهنوا تفسير الأحلام مهنة تدرّ على جيوبهم المال الوفير، ووجدوا في بعض القنوات الفضائية ورسائل sms وربما البلاك بيري ساحة لهم، يجولون كيفما اتفق مدّعين أن بيدهم مفاتيح الغيب (!)، والرموز والدلالات كلها تستسلم لهم طائعة (!).
«خير اللهم اجعله خير»، تابعت منذ فترة بعض القنوات التي تستحوذ على عقول وقلوب شرائح مختلفة من المجتمع العربي، ولم أسمع أحداً من هؤلاء المفسرين يتواضع ويقول: لا أعرف. خصوصاً أن أحلام «الغلابة» والبسطاء هي مصدر رزقه والدجاجة التي تبيض له ذهباً!
فلمن نوجّه أصابع الاتهام؟ هل القنوات الفضائية التي تروج لمثل هذا العبث والاستهتار بعقول الناس من خلال مفسريها الذين يدعون «القدرة» على كشف المستقبل، وهي حسب الكثير من العلماء الذين يتحلّون بالمسؤولية لا تتأتى إلا لنبي أعطاه الله سبحانه وتعالى بعضاً من علم الغيب؟
أم التخلف والجهل بأصول الدين والسذاجة التي توفر وسطاً بيئياً ملائماً للبحث عن حلول لمشاكل الحياة والهرب من ضغوطها وقسوتها إلى التعلق بحبال أحلام نصنعها؟ ومن المسؤول عن هذا العبث؟ ولماذا لا يتصدى رجال الدين والعلماء الأفاضل لمثل هذه الممارسات لإيقاف أصحابها؟ إذ ننتظر الرأي والإرشاد من أهل العلم، ثم من المخول بتفسير الأحلام؟ وما الشروط التي ينبغي أن تتوافر فيه؟ ما العلم / العلوم التي يجب أن يلمّ بها ويتقنها؟
ثمّ، ما الفرق بين قارئ فنجان أو قارئ كف يخبرك بأنك سترزق بخير وفير، أو أمامك درب سفر تلتقي فيه معجزة قد تغير حياتك.. وبين مفسر أحلام يخبرك بأن الطريق التي كنت تسير فيها وأنت تبكي ما هي إلا درب فرح وسرور!، وأن البحر يعني رزقاً وفيراً، وأن الفأرة التي رأيت في منامك ليست إلاَ امرأة فاسقة؟ بالله عليكم، أليس هذا نوعاً من الاستهبال وولوجاً بالإثم في علم الغيب أيضاً؟
الطريف أن المفسر، يقول لك بعد أن يشطح: «هذا والله أعلم»، أكيد أن الله أعلم، لكن هل يكفي هذا ليعفي سيادته من المسؤولية الدينية والفكرية والأخلاقية والمجتمعية؟ لذلك، لن أتردد في القول بكل صراحة إنني لا أؤمن بمفسّري الأحلام، بل أعتبرهم مثل قارئي الورق وخطوط الكف وفنجان القهوة المرة. وبما أننا صرنا نعيش في عالم عجائبي يسعى فيه معظم البشر الى الحصول على المال بأي وسيلة، فإنني أنصح البسطاء والطيبين والحالمين بأن يقتصدوا في أحلامهم، لأنهم لن يحصلوا في نهاية المطاف على أي شيء مفيد. فالأحلام التي نراها في مناماتنا لا تصنع الحياة والنجاح، وإنما هي الغايات التي نضعها نصب أعيننا ونحلم بها ونحن في كامل وعينا، ونسعى إلى تحقيقها، أما الجري وراء تفسير المنامات لدى الدجالين، فنتيجته هدر المال والوقت في مطاردة سنترال القنوات الفضائية في محاولة بائسة للإمساك بخط الهاتف.
لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .