سيدات نساء العالمين
سيدات بيت النبوة هن النساء اللائي نلن لقب السيادة بحق في الدنيا والآخرة من غير منازع ولا مدافع بين عقلاء البشر؛ لما لهن من عز وسؤدد ورياسة في الدنيا والآخرة، ولما لهن من فضل على نساء العالمين، ولما لهن من فضل على المؤمنين، ولما لهن من فضل عند رب العالمين، فقد قال الحق في شأنهن: {يَا نِسَاءَ النبِي لَسْتُن كَأَحَدٍ مِنَ النسَاءِ} إنهن يؤتين أجورهن مرتين؛ لأنهن اختيار الله تعالى لنبيه؛ لينقلن نور النبوة الذي لا يطلع عليه غيرهن، من الأحوال الأسرية والشؤون الدينية والدنيوية، كما أمرهن الله تعالى بذلك في قوله: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُن مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِن اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} إنهن الطيبات المسلمات المؤمنات القانتات التائبات العابدات السائحات الذاكرت، اللاتي اختارهن الله لنبيه اختيارا، ثيبات وأبكارا.
ولا ريب أنهن متفاوتات في الفضل بما فضل الله بعضهن على بعض في الأسبقية والعلم والحكمة، ففاطمة بنت محمد وخديجة بنت خويلد وعائشة بنت أبي بكر هن في المحل الأوفى من المكانة والمكان، بين النساء والرجال، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير نساء العالمين: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وآسية امرأة فرعون». وقال: «كمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام». تشبيه بمحسوس ملموس؛ ليعرف فضلها كل ذي عقل.لا جرم أن يكن كذلك فمنهن من زوجه بهن الله تعالى من فوق سبع أرقِعَة، وليس له صلى الله عليه وسلم في ذلك اختيار، كما قال الله تعالى: {فَلَما قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوجْنَاكَهَا}، وعائشة رضي الله تعالى عنها جاء جبريل بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «هذه زوجتك في الدنيا والآخرة».
هؤلاء النسوة الفضليات هن أمهات المؤمنين والمؤمنات، كما قال الله تعالى: {النبِي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمهَاتُهُمْ} لهن عليهم من الحقوق ما لأمهاتهم اللائي ولدنَهم، حباً وبراً وحناناً وفضلاً وترضياً، لاسيما الصديقة بنت الصديق التي كانت أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي قال فيها لابنته فاطمة يوما: «أتحبينني ؟»، فقالت: نعم! قال: «فأحبيها»، وسأله عمرو بن العاص يوما: من أحب الناس إليك؟ قال: «عائشة». قال من الرجال؟ قال: «أبوها»، هذه الأم التي كان النساء والرجال يتقربون إلى رسول الله بحبها، ويتوددون إليه بهداياهم في يومها، والتي لم يتزوج بكرا غيرها، والتي أقرأها جبريل السلام، الأم التي مات النبي في نوبتها وهو بين سَحَرِها ونحرها، وجمع الله بين ريقه وريقها في آخر أنفاسه، الأم التي نقلت لنا من كنوز السنة ما لم ينقله غيرها، الأم التي كان كُبار الصحابة يرجعون إلى علمها ورأيها، الأم التي تنزل القرآن بعشر آيات عظيمات ليزكيها. هذه زوج رسول الله وأحب النساء إليه بعد خديجة، فهل تستحق إلا الإجلال والإكبار، محبة لرسول الله ووفاء لها وتعظيما لجناب النبوة، ولحقها الكبير عند الصغير والكبير من المؤمنين.. ومن تطاول عليها فليسأل نفسه أهو مؤمن؟ وهل هو يتقرب إلى نبيه أم يؤذيه؟
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .