حياتنا رهينة التكنولوجيا!
لقد أصبحت الحكومات والهيئات والسلطات، ثم الأفراد، رهائن التكنولوجيا التي غيرت موازين حياتنا، وغدونا نؤمن بأن التقنية سر سعادتنا وراحة بالنا، وقد نظن أننا من خلال لوحة المفاتيح التي نضغط عليها بأناملنا نستطيع أن ننقل حياتنا من حالة الشقاء إلى السعادة، ومن اللاممكن إلى الممكن، ولم نفكر لوهلة أن هذه التكنولوجيا تضغط علينا بسيطرتها على حياتنا وعلى مصادر قوتنا، وحتى على ثوابتنا وقيمنا السامية، وأصبحت حياتنا وأموالنا وأعمالنا مرهونة بتلك الأزرار الهامدة!
أصبحنا نحمل هذه التكنولوجيا من خلال حاسبات آلية على ظهورنا أينما ذهبنا، نتسمر أمام شاشاتها لساعات طويلة نمعن النظر فيها لتسبب لنا بعد ذلك ضعفاً في نظرنا، وضغطاً على أعصابنا، وتسلب منا وقتنا الذي هو مادة الحياة الكبرى.
وإذا أردت أن تنظر إلى الأثر، فتأمّل في تواصلنا مع الأهل والأصدقاء، في المنزل تكنولوجيا، في المكتب تكنولوجيا، في المقاهي والمطاعم تكنولوجيا، في المطارات والطائرات تكنولوجيا، تشغلنا حتى عن قراءة أفكار بعضنا بعضاً، أو الاستماع إلى بعضنا بعضاً، كأنه قد حكم علينا أن نحمل تلك التكنولوجيا على ظهورنا وفي جيوبنا في حلنا وترحالنا، حتى لا نكاد نستغني عنها للحظة، حتى على أسرّتنا نجد أن التكنولوجيا أمامنا أو بالقرب منا، أو قد تنام معنا على السرير!
إن أكثر صور التكنولوجيا تأثيراً في حياتنا حينما تصبح تلك المفاتيح تعني مالاً، الذي يسميه البعض شقيق الروح، فتجدها عند الصراف الآلي، وعند موظف البنك، وعند استعمال الشبكة العنكبوتية في الشراء بواسطة بطاقات الائتمان، عندما نطلب قائمة الأسعار، وعندما ندفع فواتير الاتصالات، وعندما يصلنا كشف حساب البنك الذي نتعامل معه، كيف حال أرصدتنا؟ ما التزاماتنا؟ كيف نسددها؟ ومن أين نأتي بالمال لنغطي متطلبات حياتنا ونوفر أسباب معيشتنا الكريمة بعد أن ازدادت الحياة صعوبة؟
إن العالم كله يستخدم التكنولوجيا أو التقنية، أفرداً وحكومات ومؤسسات، ومع استخدامنا السيئ لها وغير المقنن، خصوصاً في ظل عدم تقديرنا لوقت استخدامها النازف، فإننا كثيراً ما ندفع الثمن غالياً من صحتنا ووقتنا وعلى حساب أموالنا وعلاقاتنا الأسرية والمجتمعية، ونخطئ كثيراً في التعاطي مع التكنولوجيا، نريد أن نتظاهر أو نتنافس أو نتباهى أمام بعضنا بعضاً أننا الأفضل، وأننا الأكثر معرفة والأكثر تطوراً، وفي كثير من الأحيان، فإننا لا نستفيد من هذه التكنولوجيا إلا في الجوانب السلبية، والتكنولوجيا بحر كبير مترامي الأطراف، ونحن مازلنا على سواحله، واستفادتنا من هذا الكم من التكنولوجيا لا تتجاوز نسبتها 10٪، خصوصاً أننا لم نضع هذه التقنية ولم نشترك في صناعتها، ولا نفقه طبيعة تكوينها، ولم تفصّل أو تصنع وفق حاجتنا، وإنما نشتري البرامج الكثيرة لعلنا نتعلم منها القليل، فيما أصبحت مفردات حياتنا رهينة أزرار لا نفقه تكوينها، وإنما هي معدّة بأيدي مكافِحة من الغرب والشرق وأسرارها ورموزها في عقولهم!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .