5 دقائق
«زعامة الفريج»
أذكر ويذكر من هم في سني ظاهرة سلبية كانت طارئة على المشهد المحلي في ثمانينات القرن الماضي، إذ كان في معظم الفرجان ما يعرف بالـ«زعامة»، وكانت لهم أسماء غريبة، على غرار «سلطون السطل»، «علو البيبي متو»، «خلود بو يبهة»، «جوني المفترس» .. ترى عبارات تمجدهم في كل زقاق من باب اتقاء الشر، أغلبهم من ذوي السوابق، في وجوههم ضربة سكين أو أثر اعتداء قديم.. وأسماء أخرى حقيقية يعرفها سكان السطوة والحمرية والخان والرقة والمنصورة جيداً، سأحجم عن ذكرها لأنني مازلت أرى بعضهم في «كوابيسي».
كان النظام معروفاً، لديك عرس تغدق عليهم، سيارة لهم حلوان، وفاة لهم حلوان (...)، عليك تغشيشهم في المدرسة، والدعاء لهم في الصلاة، إذا رأيت منكراً فيهم فاحبسه في جوفك ألا يحبسوا أنفاسك. مقابل منافع معلومة يقومون بـ«الضرابات بالوكالة وتحصيل الديون وسب الميت».
النقطة في الموضوع أن القانون، قانون الغاب، كان يمنع منعاً باتاً الولاء لزعيمين في فريج واحد، فإن كنت من انصار «فلكناز» فلا يحق لك مطلقاً التودد أو السلام على «حروب الونش»، وأي كسر لهذه القاعدة سيتلوه كسر في احد أضلاعك الصدرية، وفي حال تكرار المخالفة سيكسر عنقك، ما لم تستعن بـ«زعامة» أكبر حجماً كـ(خلود الدقي) مثلاً! لا يمكنك حضور أعراس الطرف الآخر أو مشاركته النادي أو تغشيشه في المدرسة. ويبدو لي بشكل واضح أن بعض هذه الكروموسومات قد تسلل أو بقي في عقلية بعض مسؤولي القطاعات المجتمعية، من أندية رياضية ومؤسسات مجتمع مدني وجمعيات نفع عام، بل حتى بعض المؤسسات الرسمية، فبعد ما يقرب من 30 عاماً من انقراض الزعامات في السجون أو بجرعة زائدة أو في أي مصيبة أخذتها، يطل علينا بعض «المثقفين» بعقلية، إما أن تكون مع حزبي أو أن تكون عدوي.
لماذا تتم ممارسة ضغط نفسي على المبدعين في شتى المجالات، وإجبارهم على اتخاذ أنماط فكرية أو وظيفية معينة؟ ولماذا يصر البعض خصوصاً في الجمعيات ذات «النفع العام» على التكتلات والتحزبات التي تمنع الكثيرين من أن يكونوا عناصر فاعلة فيها، فقط، لمجرد أنهم ليسوا من جماعة «بوفلان» أو لم يؤدوا قسم الدم لجماعة «أم فلان»؟
بل إن كثيراً من موظفي بعض الدوائر الحكومية اشتكوا من اختلاف تعامل بعض المسؤولين معهم لما رأوهم يهشون ويبشون للمنافس «سين» أو لمنافس «صاد»، ألا يمكن لموظف بسيط أن يحب الجميع ويحبه الجميع؟ هل يستبعد البعض وجود أشخاص لهم شحنة «طبيعية» ليست سالبة ولا موجبة، كما يقول الفيزيائيون؟
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .