كل يوم

أسانغ مازال حياً!

سامي الريامي

بغض النظر عن كل الضجة التي أثيرت، ولاتزال تُثار، حول وثائق وأسرار الحرب في العراق التي كشفها موقع «ويكيليكس»، والتي تعتبر أكبر عملية تسريب عسكرية في تاريخ الـ«بنتاغون»، وبغض النظر عن من يتفق مع هيلاري كلينتون على أن هذا التسريب «خطر حقيقي على الجنود الأميركيين في العراق، والمواطنين الأميركيين في دول عدة». ومن يتفق مع مؤسس الموقع جوليان أسانغ على أن «عملية النشر لابدّ منها لإيصال الحقيقة إلى العالم»، بغض النظر عن أي شيء آخر.

اسمحوا لي أن أبدي احترامي وإعجابي الشديدين بأميركا، لأنها وعلى الرغم مما يردده كثيرون عنها بوصفها بلد الكفار، والشيطان الأكبر، فهي بكل صراحة وإعجاب، بلد الحريات. لا أحد هناك يتحدث عن سبب نشر الموقع الإلكتروني الوثائق، بل لم يصب أي مسؤول أميركي جام غضبه على الموقع والعاملين فيه، ولم يتوعدهم ويهدّدهم أحد بالسجن والإغلاق، وتركزت كل التصريحات على خطورة النشر، لا على عملية النشر نفسها، والأكثر من ذلك تفوح من خطابات كلينتون لغة «الرجاء الحار» لأصحاب الموقع بالتوقف عن النشر، من دون أن تلمح أو تصرح باتخاذ إجراءات قانونية ضد الموقع نفسه، لأنها لا تملك في الأساس من الإجراءات القانونية ما يعينها على إغلاق وسيلة نشر إعلامية.

وبعد عملية الشجب الطويلة هذه، و«الكلام الكبير» الذي «يودي ورا الشمس» في كثير من دول العالم، اضطرت الـ«بنتاغون» بجلالة قدرها أن تطلب بأسلوب أقرب إلى تقبيل يد صاحب الموقع، أن «يعيد أصول المواد (المسروقة)، ويمحو الذي نشر على (الإنترنت) في أقرب فرصة»!

والأكثر من ذلك ما ختم به المتحدث باسم الـ«بنتاغون» حديثه، حين قال: «في المستقبل لن نعلق على هذه الوثائق أكثر من القول: إنها ملاحظات تكتيكية، وإنها لقطات من أحداث عابرة، لا تروي القصة بأكملها»!

هذا كل ما في الأمر، في المستقبل لن تعلق الـ«بنتاغون» على نشر الوثائق العسكرية، ووزيرة الخارجية تدين أي «تسريب» لمعلومات تشكل تهديداً لحياة الأميركيين، أما «ويكيليكس» فهو مستمر في نشر كل ما يقع تحت تصرفه من وثائق، وجوليان أسانغ أصبح أحد مشاهير العالم في هذه الفترة، بل أصبح «البعبع» الذي يثير مخاوف جهاز الـ«سي آي إيه»، ويلقبه البعض بـ«صائد التجاوزات ورسول الشفافية»!

أسانغ يرى أن من حق العالم أن يعرف حقيقة ما جرى في العراق، ومن حق العراقيين أن يشاهدوا كيف مارس الغزاة عليهم التعذيب، وأمعنوا في المدنيين منهم القتل، ومن حق العالم أن يرى كيف مارست الولايات المتحدة جرائم حرب حقيقية في ذلك البلد العربي، كما أن للشعب الأميركي أيضاً حق معرفة القرارات الخاطئة التي اتخذتها إدارة جورج بوش الإبن في غزو العراق وتدميره، وبالتالي فهو لا يرى أي حرج في نشر نحو 400 ألف وثيقة عسكرية عن حرب العراق في ست سنوات.

ألا يكفي بعد ذلك أن نعترف بأن أميركا لاتزال بلد الحريات، على الرغم من الانتكاسات التي تعرض لها هذا الملف، بعد اعتداءات 11 سبتمبر؟ بدليل أن أسانغ مازال حياً، بل ويعقد مؤتمرات صحافية، للإدلاء بمزيد من المعلومات حول هذه الوثائق، وهل نجد في «دول الملائكة» التي تقمع الحريات مثلما نجد في بلد «الشيطان» من إصرار على صيانة حقوق الصحافة والناس في المعرفة؟

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر