آخر المؤسّسين
رحل آخر الآباء المؤسّسين، ليلحق بشركائه الأبرار الذين تركوا خلفهم دولة نحتت اسمها على صدر قائمة الشرف في هذا الزمان العربي، وتبوأت مكاناً لائقاً في محيطها الإقليمي والدولي. رحل الشيخ صقر بن محمد القاسمي، رحمه الله، أمس، بعد 62 عاماً من الحكم، عايش فيها تقلبات السياسة وتعاقب المراحل، وشارك مع إخوانه حكام الإمارات في إحداث نقلات نوعية، انتقلت بمجتمع الإمارات من مجرد تجمعات بشرية صغيرة تكافح من أجل الإبقاء على وجودها إلى دولة حديثة استطاع شعبها بقيادة حكامه أن يسابق رياح التغيير، ويستوعب أسباب التنمية والتقدم، ويحقق القفزات في جميع مناحي الحياة، ثم يتحول إلى عضيد ووسيلة دعم للقريب كما الغريب.
فكْر ذلك الجيل الذهبي لم يتخذ من الوحدة أيديولوجية يتلاعب بمفرداتها، ولم يجعل الهدف مشروعاً منمقاً بأقوى العبارات إنشاءً وأضعفها موضوعاً، ولم يتوقف كثيراً عند تفاصيل تقاسم القصعة وتسلق الأكتاف. كانوا رجالاً يعرفون كل فنون السياسة دون التوغل في تنظيراتها، يؤدونها بفراسة العارف، ومعرفة الخبير، وحرص الراعي المسؤول عن رعيته أمام الخالق قبل الخلق. تسلموا قبائل فلمّوا شعثها وصهروها في بوتقة واحدة، لتكون شعباً لوطن كان في حسابات الماضي وسجلات إدارة المحتل الأجنبي سبعة كيانات متفرقة.
كان للشيخ صقر، رحمه الله، رأي عند بداية قيام الاتحاد، ولكنه نزل عند رأي شعبه الذين هم أهله وناسه، واستجاب لدعوات إخوانه وشركائه الحكام، فقدم آراءهم على رأيه دون أن يقرأ في ذلك الوقت كتب المتشدقين، ونظريات الديمقراطية الكاذبة، ثم أخلص في تلبيته فجعل اتحاد الإمارات هو البيت الذي قال إنه يتمنى أن يكون بداية لإكمال الوحدة العربية الكبرى من الخليج إلى المحيط.
نحزن على رحيل الشيخ صقر كما أحزننا من قبل رحيل الآباء الآخرين، وعزاؤنا أنهم ذهبوا بعد أن أدوا الأمانة وأكملوا مرحلة التأسيس دون أن يأخذوا من دنياهم غير الذكر الطيب والعمل الصالح.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .