أبواب
نجوم «خلّبيون»
كثير من الكلام قيل ويقال عن الموجة الجديدة من الفضائيات التلفزيونية، وسلطة الصورة في تشكيل صورة «مسطحة» داخل المجتمعات. وفي هذا المجال يلاحظ تفريخ الإعلام التلفزيوني لصورة منزوعة العمق لأسماء عدة، تتحول إلى «نجوم خلبيين» في مجالات الشعر مثلما هي في مجال الغناء.
ولعل ظاهرة الأدباء التلفزيونيين في توسع، شاملة كتاباً في السياسة والبورصة والأبراج ووصفات الغذاء الصحي وغير الصحي أيضاً.
نجوم خلبيون في كل الميادين يخرجون إلينا عبر مفرخة الشاشة الصغيرة، كما تسمى، بينما يبقى نجوم حقيقيون في زاوية التهميش والتجاهل والاهمال. وكأن هناك هدفاً رئيساً لصناعة نجوم الصورة، بغض النظر عن محتوى نتاجهم وشكله، إذ يصبح هم صناع النجوم الوهميين هو تسطيح الإبداع وتعميمه في كل جهات الأرض، علاوة على استقطاب جمهور هو «ضحية الصورة»، وهو مستلب إليها. وفي الحياة اليومية أمثلة متعددة على انبهار فئة من الناس بكل أبطال الصورة الوهميين الذين يطلون علينا عبر الشاشة.
وفي التظاهرات الثقافية، شواهد عدة على الاستلاب إلى الصورة المصنعة، إذ يتهافت أشخاص إلى التقاط صور تجمعهم مع نجم خلبي، أو الحصول على توقيعه أو الحديث معه للحظة واحدة، أو الإشارة إليه وهو يعبر مثل «طاووس» بين صفوف الناس، ما يزيده خيلاء ووهماً في الوقت نفسه.
هناك نجوم خلبيون في كل المجالات، الإبداعية وغير الإبداعية، هم نتاج الشاشة الصغيرة، نراهم يتصرفون باعتبارهم نجوماً حقيقيين، وينتظرون الآخرين أن يرشوا عليهم عطر المدائح من كل صوب، وينتظرون من «ضحايا الصورة» أن يتقربوا منهم لالتقاط صور وهم يبتسمون ببلاهة، لأن تلك الابتسامة أصبحت «آلية»، وليست قلبية وتعبيرية، وذلك نتيجة التعود على رسمها «عنوة» في كل المناسبات.
اليوم يزداد تفريخ نجوم تلفزيونيين، وليس نجوم القصيدة، أو نجوم الفكر أو نجوم السياسة والاقتصاد والاجتماع. وكان الدكتور يوسف الحسن اعتبر في محاضرة له في اتحاد كتاب الإمارات في أبوظبي، قبل شهر، «هيمنة ثقافة الصورة من أبرز معوقات الثقافة في كل مجتمعات العالم».
والآن، هناك «آلة» ضخمة لصناعة الصورة وترويجها، خصوصاً مع انتشار الفضائيات والإنترنت ومختلف وسائل الاتصال. وصار بمقدور فضائية صغيرة أن تغزو عبر شاشتها الصغيرة مجتمعات كبيرة، ليخرج عبرها شعراء من «الدرجة العاشرة» يحتلون المشهد الثقافي، ونراهم في كل ملتقى أو مهرجان ثقافي أو غنائي، وربما يأتي زمن، نرى مثل هؤلاء «المشاهير التلفزيونيين» في افتتاح مصنع لتعليب عصير البندورة، يبتسمون أمام آلات التصوير، ببلاهة أيضاً.
نعم الصورة تحتل، والصورة تهيمن، والصورة تستعمر، والصورة تزيف، والصورة تكذب أيضاً.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .