الثقافة العربية في ظلّ وسائط الاتصال الحديثة
تجتمع في جزأي «كتاب العربي 81+82» نخبة من العقول العربية، لتناقش وتقوّم عالم المدونات الإلكترونية على الإنترنت، وتتحاور حول كيفية تحوّل الكون من قرية صغيرة إلى عالم شاشة لأجهزة الحواسب والهواتف والتلفزيونات الصغيرة، وتتساءل كيف يتأتى لنا أن نحدد موقع ثقافتنا في ظل التحديات الخطرة والملحّة؟ ونشرت في جزأي الكتاب ثمانية محاور وثماني جلسات، خُصص منها محوران وجلستان لثقافة الطفل العربي، ومدى تأثير الوسائط الحديثة في تشكيل وجدانه وعقله، وتأثيرها في ثقافته ونفسيته.
أفرزت تكنولوجيا الصناعة مجتمعاً مختلفاً عن مجتمع الزراعة، وأفرزت تكنولوجيا المعلومات مجتمعاً مختلفاً عن مجتمع الصناعة، وقاد التغيّر في قلب المجتمع الصناعي إلى مجتمع المعلومات العالمي، وحلت الثورة المعلوماتية محل الثورة الصناعية أو ما سميت أيضاً «الثورة الصناعية الثالثة» أو «العصر ما بعد الصناعي» أو «عصر ما بعد الحداثة».
شهدت الإنسانية من قبل تكنولوجيا الصيد، ثم تكنولوجيا الزراعة، وبعدهما تكنولوجيا الصناعة، ثم شهدت أخيراً تكنولوجيا المعلومات، ويمكن القول إن المجتمع العالمي المعاصر، الذي وسمته تكنولوجيا المعلومات، وعُدّت الثورة الرقمية فيه عمودها الفقري، جعل سلعة الثقافة المتداولة، المنتوج الأساسي، وعزّز المواجهة القديمة بين الثقافة وبين السوق: بين تبادل الثقافة قيمة جوهرانية، واستعمال الثقافة قيمة ربحية.
تشير الإحصاءات الأخيرة إلى وجود ارتفاع متزايد ومتواصل لمواقع الإنترنت، فقد ارتفع عدد مستخدميها من 450 مليوناً عام ،2002 إلى مليار عام ،2009 وزاد النشر الإلكتروني من 40 مليون موقعأ عام ،2002 إلى 150 مليون موقع عام ،2008 وازدادت مواقع الإنترنت باللغة العربية بين عامي 2000 و2008 لتصل إلى 7.203٪، كما زاد عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي إلى أكثر من 30 مليوناً، أي ما يشكل 10٪ من الشعب العربي، وحالياً يوجد موقع لكل ستة مستخدمين، بينما لا تتجاوز نسبة التأليف في العالم العربي أكثر من ثلاثة كتب لكل مليون عربي!
وتقول البحوث المنشورة عام ،2006 إن 4٪ فقط من سكان العالم العربي يستخدمون الإنترنت، وأغلبهم من سكان المدن، أي أن عدد مستخدمي الإنترنت من العرب لا يزيد على 19 مليون شخص، أي نحو 10٪ فقط من مجمل السكان.
كان المفكر العربي في الماضي يقول إن الأفكار مرمية على قارعة الطريق، واليوم تنتشر الأفكار والمعلومات في مقاهي الإنترنت في كل شارع وزاوية من دون جدران الرقابة، ومن دون حتى شرطي إلكتروني، وأصبحت الحدود الجغرافية تنحسر أكثر فأكثر أمام أشكال الخطاب الإلكتروني، ويزداد معه انسياب المعلومات وتدفق المعارف وانتشار المعرفة، فلا مكان في عصر الإنترنت لانغلاق ثقافي، على الرغم من وجود دول معادية للإنترنت، ودول تراقب الإنترنت. من بعد الريشة جاء القلم، ومن بعد القلم جاءت المطبعة، ومن بعدهما أعلنت لوحة الأزرار بداية نهاية الورق وبداية الإنسان الرقمي، وأصبح العالم يتغير بسرعة مذهلة، فماذا نحن فاعلون؟ حكمة الكتاب الأخيرة: ليس المهم النفاذ إلى المعرفة فقط، المهم أيضاً صناعة المعرفة نفسها.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .