من المجالس
ليالٍ بالعام كله.. ورحلة بالعمر جله
مضت نفحات الليالي العشر، ومضى المتأسون بحجاج بيت الله الحرامأ يحصون أجور أعمالهم، كلٌ حسب ما وصل به عزمه من صيام وقيام، وإنفاق أسعد مسكيناً أو سدّ حاجة فقير أو أزال مسحة حزن من عين طفل محروم.
ومضت أيام الحج الأكبر، بوقوف التشبه بيوم الحشر، ونفرات المسير في تيار الملبين بأناشيد التوحيد، ثم الإفاضة من حيث أفاضت الأرواح المتعلقة بأهداب السماء تنشد القبول من ربها الذي باهى بها الملائكة، وأشهدهم بأن مغفرته قد نزلت على كل أشعث أغبر قد حلأ في ذلك المكان، ومن تعلق قلبه وتاقت روحه ولكن حال بينه وبين ذلك قلة حيلة او ضيق ذات اليد. ومضت أيام التشريق بأذكارها كذكر الآباء أو أشد ذكرا، ونال الشيطان، في يومين للمتعجلين أو ثلاثة للمتأخرين المملوءة نفوسهم غيظاً من إبليس وأهله، ما يكفي لتذكير كل البشر على هذه البسيطة بأن كيده كان ضعيفاً لمن يلقي السمع وهو شهيد.
ولاتزال هناك بقية من نفحات الحج بما بقي من أيام ذي الحجة، تحمله البشائر وتنثر شذاه ليالٍ وأيام جعلها الله تبارك وتعالى مواسم تعيد تدوير تفاصيل حياتنا وتفرز منها رواسب الركود وتكلسات الغفلة. وهي مواسم تتعاقب في دورة متواصلة يأخذ منها اللبيب خالص رحيقها ولا ينال الغافل منها غير السؤال المتكرر عن عطلة تتعطل فيها الأرواح أكثر من الأبدان ليستمر تراكم الغبار الى درجة التحجر.
الحج أشهر معلومات، وذروته أيام معدودات، ولكن حصاده العمر كله، لمن أخذ بشروطه وتقيد بمعاييره، وعلم أي النجدين هو طريق الجنة؛ طريق إبليس الملعون أم طريق الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .