من المجالس

عادل محمد الراشد

مسكين ذلك الإنسان الذي لا يجد في حمى الأوطان حتى غباراً من ريح ليستر به غربته وهو بين أركانها يتقلّب على نار الإهمال والتهميش، وربما الملاحقة والتنكيل، تضيق على جنبيه الأرض بما رحبت، حتى تتخالف منه الضلوع، وتهبط به رياح القهر في مكان سحيق لا هواء فيه، ولا ضرب من حياة.

لم يترك الإعلام مجالاً للخيال، واستطاعت الصورة أن تقطع كل شك باليقين، أوطان تقسو إلى درجة النفي لا من الأرض وحسب، بل من الحياة وكل معانيها، فيغدو الشعور بالغربة أخفّ أوصافها وأقل عذاباتها، ويصبح الاغتراب كأنه الفوز بالجنة.

عندما تكون هذه حقيقة تراها أعيننا كل صباح ومساء، وتتفطر معها القلوب، كم تكون الصورة عندنا هنا زاهية والنفوس مبتهجة، ونحن نعيش في وطن مكان الإنسان فيه على كفّ الراحة، ومكانته محفورة في فلسفة أصل وجوده، وطن يتمسك بأوصافه ويعضّ على سماته، جاعلاً الإنسانية عنوان داره، والاهتمام بمواطنيه وكل من يطأ أرضه أولى أولوياته، يقيم للأمانة معنى، ويضع للمسؤولية ألف معنى ومعنى، الدرب فيه أخضر، والقلب أخضر، والروح خضراء، فهل من عجب أن تكون الحياة فيه جنة خضراء؟!

وطن أعاد للحكمة مكانها في السياسة، وأثبت للمرجفين واليائسين أن الوحدة في وجدان العرب حقيقة لا وهم، إذ غلبت الفطرة السليمة وروح القيادة الواثقة من نفسها ومن مقدرات شعبها وساوس الشيطان وأهله، وترجم روح الوطن الواحد بأن صار بوتقة تذوب فيها كل مقدرات الأمة، وتستقطب كل فكر حرّ ضاقت به سماوات الأوطان المتجبرة، أو عجزت عن تحمله العقول المنغلقة وأراضي الفرص المعدومة.

وطن تتمازج فيه الألوان دون طغيان، وتتلاقى فيه الرؤى دون التباس، وتجتمع حوله الآراء بأنه عنوان النجاح، حري بأن نهنئ أنفسنا بأننا جزء من نسيجه، لأننا دائماً في قلب اهتمامه.

adel.m.alrashed@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر