الطفرة السابقة هي الأزمة!

أعجبني جداً فكر وانفتاح وثقافة رجل أعمال شاب من مواطني الدولة، دخل مجال الهندسة والبناء، وخاض تجربة جيدة في المجال العقاري، قبل وأثناء الأزمة، ولايزال يديرها حالياً. يرى هذا الشاب، من خلال موقعه في وسط السوق العقارية حالياً، أن الأزمة كانت مفيدة جداً، فقد أسهمت في فرز السوق المحلية، وأسهمت في إبعاد كثير من الزبد المتمثل في أفراد وشركات، لم يكن لهم أساس تجاري، ولا تاريخ في هذا المجال، دخلوا السوق، وضاربوا، وأضروا بالاقتصاد والمستثمرين الحقيقيين والسوق المحلية، ثم جنوا أرباحاً خيالية على حساب كثير من القيم والمبادئ وقوانين السوق، هذه النوعية من الشركات لم تعد موجودة اليوم، وأولئك الأفراد أيضاً تناقص عددهم بشكل كبير، فقد تواروا واختفوا تقريباً، والفضل في ذلك يعود إلى الأزمة المالية.

ما أعجبني أكثر هو قوله «لا وجود للأزمة حالياً، والطفرة السابقة هي الأزمة»، تحليل سريع وجميل، فالوضع الحالي هو الوضع الطبيعي الذي سيسهم في وجود النسب المئوية المقبولة للنمو والتنمية، ووضع السوق الحالي ربما يكون هو الطبيعي، وما كان قبل ثلاث سنوات كان وضعاً خاطئاً، وبالتالي فالأزمة المالية لم تكن كلها سلبيات، بل يمكن اعتبارها تحديات من أجل استخلاص وضع أفضل للاقتصاد والمستثمرين الفاعلين والنشطين والصادقين، فوجودهم وبقاؤهم هما النجاح الحقيقي للبلاد والاقتصاد.

علينا ألا نغفل ما حدث في دول شرق آسيا، أو النمور الآسيوية، كما يسميهم أهل الاقتصاد، فقد مروا بأزمة شبيهة قبل العالم، في منتصف التسعينات، لكنهم استطاعوا تجاوزها بسرعة شديدة، وماليزيا على سبيل المثال، تجاوزت تلك الازمة في أقل من ثلاث سنوات، وبالتالي فلا غرابة من تأثرهم بشكل أقل من العالم في الأزمة المالية الحالية، ليس إلا لأنهم سلكوا نهجاً جميلاً، وهو دراسة مسببات الأزمة السابقة وسلبياتها، ووضعوا القوانين والإجراءات الكفيلة بتصحيح الأخطاء التي وقعوا فيها في أزمتهم السابقة، وبفضل ذلك نجحوا في تجاوز الأزمة المالية الحالية بسرعة، فالأرضية التي وضعت كانت صلبة، حمتهم من التداعيات التي ضربت العالم أجمع.

أفي سنغافورة مثال آخر، فقد دأبت الحكومة على عقد مئات من ورش العمل لتمحيص وتفصيص جميع جوانب الأزمة السابقة، وتم أخذ النتائج وبلورتها على شكل قوانين واشتراطات جديدة، تنظم جوانب الاقتصاد والاستثمارات كافة، وتم من خلالها تحديد نوعية المستثمرين، والتوجهات المقبولة للاستثمار، وتم وضع جميع الشروط التي تضمن حماية المستثمرين والتجار واقتصاد البلد بشكل متوازن.

كل ذلك لم يكن لولا التجربة والخطأ، والاستفادة من الخطأ، ولولا المحنة الأولى لكان وقع الأزمة الثانية أشد وأصعب على تلك الدول من بقية العالم.

وهكذا نحن، يجب أن نؤمن تماماً بأن الأزمة المالية لم تكن كلها سلبيات، بل كانت فترة مملوءة بالتحديات، والتحديات تحمل في باطنها السلبيات والإيجابيات معاً، وعلينا الآن الاستفادة من الأخطاء، لتصحيحها وتحويلها إلى نقاط قوة تساعدنا على النهوض والنمو، وتحقيق التنمية بأسلوب متوازن وهادئ، وأن نعيد الخطط والاستراتيجيات بما يتواكب مع ملامح المرحلة المقبلة، فالشمس لاتزال تشرق في الإمارات، والمستقبل مملوء بالتفاؤل والأمل.

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

الأكثر مشاركة