من المجالس
هجرنا الهجرة
عبرت نفحة الهجرة سريعاً وسط ضجيج الأحداث وتواتر المناسبات. ناس استحضروا الذكرى وحاولوا نشر مشاهد الحدث الذي أصبحت فيه الدعوة دولة أشاعت النور وأقامت العدل ورفعت الظلم وبشرت بحضارة استعاد العالم في أكنافها إنسانيته وأعاد إلى العقل مكانته. لم تغيَب الأحداث هؤلاء ولم تستطع أن تحرمهم من استحضار مفهوم الهجرة الساكن في الذاكرة والحاضر في الوعي. فتبادلوا التهاني وفتحوا قلوب الغافلين لينهلوا من فيض الدرس قبل أن تمضي القوافل محملة بمن فاز وكسب.
وناس شغلتهم الدنيا وربما تفاصيل صغيرة في حركتها التي لا تهدأ، فمرت المناسبة من بين أيديهم دون أن يلتفتوا إلى معانيها، ولم يجرًهم الحنين لمعايشة ذلك المشهد العظيم فيتتبعون آثار من ارتحل من دنيا الجهل إلى روح المبادرة، ومن الذل إلى الكرامة، ومن التمييز في الأصل واللون إلى التميز بميزان التقوى. مضت سنة هجرية ودخلت سنة جديدة كثير منا قد لا يتذكر ترتيبها بين السنين وأكثرنا قد لا يعرف تسلسل أشهرها. ولأن الهجرة ثقافة وليست مناسبة عمرها يوم وتنطوي بتعاقب الأيام والشهور فقد غابت معانيها عنا وتاه عنها صغارنا أكثرن فأصبحت الهجرة لدى أكثرهم يوم تعطيل للدراسة يسعدهم، ولبعضهم نشيد يسمعونه في «طلع البدر علينا»، وأما البدر والخير داع والأمر المطاع ودروس البناء العظيم فقد خفًت نبراتها وبح صوتها رغم الحاجة الشديدة للتشبث بمعانيها.
عام هجري جديد الأمة الآن بأشد الحاجة إلى إعادة الارتباط بمعاني الاحتفال به، وإعادة فتح دفاتر تعاليمه، وتصفح سيرة صاحب الهجرة عليه الصلاة والسلام وسير أولئك الأولين الأبرار الذين تركوا ديارهم ليتبوأوا خير دار وهجروا المال والحلال ليفوزوا بالمكانة والتمكين.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.