أبواب

شبكة الفساد

قيس الزبيدي

كشف شريط لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» يوم الاثنين الماضي، تلقي ثلاثة أعضاء من اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أموالاً في إطار فضائح الرشوة قبل ثلاثة أيام من اختيار البلدين المضيفين لنهائيات كأس العالم لعامي 2018 و.2022

تطالعنا كل يوم حالة إضافية من حالات الفساد، التي تنتشر هنا أو هناك في العالم. ولعل كتاب بيتر ايغن، الذي يشكل إنجازاً أنموذجياً في مجال كشف كل أنواع قنوات الفساد والرشوة في العالم، بوسعه أن يدلنا على مصادر الفساد وعلى تلك القوة المضادة أيضاً، ومؤسسها هو المؤلف نفسه، التي انطلقت منذ عام ،1994 تكافح مستنقع الرشوة، وتخترق جدار الصمت الذي يحيط بالفساد في العالم، وتلفت أنظار وسائل الإعلام إلى أخطاره، وبشكل خاص في البلدان النامية.

ما الفساد؟ الفساد هو استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة، استغلال تنتقل فيه مبالغ طائلة إلى جيوب الساسة والموظفين، وهو لا يزدهر في السياسة وفي المجتمع وفي الاقتصاد، إلا حينما يحاط بالسكوت وتهيمن شروطه: لا عقد ولا تكليف بأي عمل من دون وجود فساد ورشوة، فساد يقوّض أسس التنمية، ويشوّه صورة دولة القانون، ويُضعف بنيان نموها الاقتصادي.

كان مسموحاً في دول مثل ألمانيا أن تتقاضى الضرائب عن مبالغ الرشوة المدفوعة في البلدان الأجنبية. وكان القانون الألماني يسمح، حتى عام ،1999 أن يُرشى السياسيون والموظفون في البلدان الأخرى.

ويبدو الآن، بعد الحادي عشر من سبتمبر، أن ناقوس خطر الفساد أخذ يُدق بقوة ويسمع صوته في أرجاء العالم، لأنه أصبح أداة بيد الإرهاب، فالإرهابيون، حسب الأمين العام لـ«الإنتربول»، يستطيعون تجاوز كل إجراءات الأمن والتفتيش، لأنهم يرشون من يقف في وجه نشاطهم، وعلى هذا لم تعد التقنية العالية تنفع، لأن أعضاء البوليس أنفسهم أصبحوا فاسدين.

يُقرأ كتاب «شبكات الفساد والإفساد في العالم»، كما تقرأ رواية بوليسية مشوّقة، يلاحق فيها مفتش البوليس عصابات الفساد، ويحارب قوى الشر ليقتلع جذور الوباء الذي تنشره في كل أرجاء العالم. أو يقرأ كما تقرأ ملحمة قديمة، يتصدى فيها بطل أسطوري لأفعى متعددة الرؤوس، وكلما راح يقطع منها رأساً، ينبثق منه وحش مرعب! ومع أن الواقع في زمننا يبدو في جوهره أسطورياً، إلا أن الكتاب يمثل الموضوعية الصارمة التي يتحلى بها الكتاب العلمي.

من هم الأبطال الذين يدقون ناقوس الخطر، ويحاربون الفساد في زمننا الحاضر؟ هم أولئك الصحافيون المحققون الذين لم يتورعوا عن كشف أصل الفساد، والذين أصبحوا منذ عام 2001 يُقتل واحد من كل أربعة منهم يسهمون في التحقيق في الفساد.

حدد المهاتما غاندي الخطايا السبع في العالم المعاصر: الثروة من دون عمل، المتعة من دون ضمير، المعرفة من دون شخصية، التجارة من دون أخلاق، العلم من دون إنسانية، الدين من دون تضحية، السياسة من دون مبادئ.

صدر الكتاب عن دار نشر كامبوس في فرانكفورت - نيويورك عام 2003 بعنوان «شبكة الفساد»، وأصدرته بالعربية «قدمس» للنشر والتوزيع في دمشق في عام 2005 بعنوان «شبكات الفساد والإفساد العالمية».

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه

تويتر