من المجالس

أثبتت التحولات السريعة التي تشهدها الدول العربية منذ سنوات، ووصلت ذروتها مع بداية العام الجاري، أن الحاجة إلى متخصصين في علم الاجتماع وعلم النفس والتربية والقانون والعلوم الشرعية وغيرها من العلوم الإنسانية، أصبحت كالحاجة إلى مهندسين وكيميائيين وأطباء وتقنيين. فعلى الرغم من أن هذه التحولات لم تحدث فجأة وكانت لها مؤشراتها وإرهاصاتها، خصوصاً على مستوى شرائح الشباب، فقد بدت الأمور كأنها أمر صادم ومفاجئ، ولذلك كانت تبعاتها كبيرة وهزاتها ضخمة بشكل فاق كل قدرة على استيعاب الصدمة.

لم تفلح كل الأرقام والبيانات عن انتشار الجريمة واتساع دائرة الانحراف وتفشي الفقر واتساع الفجوة بين الطبقات والجنوح إلى التطرف الديني وغير الديني والتفكك الأسري، وغيرها مما يسمى بمشكلات العصر في جذب الانتباه إلى دراسة المجتمعات العربية، وتتبع التغيرات والتحولات التي تجرفها إلى مسافات يصعب اللحاق بها في ظل عالم مترابط الأركان ومتداخل التأثير إلى درجة التماس، حتى جاءت الثورات بريحها العاتية لتضع الجميع في هول المفاجأة، فكل الأمور كانت في حكم المعروف عربياً بحكم الظن أن الجسد العربي قد تعايش مع الأمراض إلى درجة افتقاد القدرة على الإحساس، بينما دوائر الغرب ومراكز بحثها كانت تشير إلى احتمال بلوغ هذه النهايات المأساوية، ولكن الواقع العربي لم يكن يقرأ ناهيك عن أنه لم يكن يبحث أو يهتم بالبحث، لأنه ببساطة لا يملك أدوات البحث وغير مهتم بتأهيل الباحثين والمختصين لا على مستوى العلوم التطبيقية التي سبقتنا فيها دول فقيرة، ولا في العلوم الإنسانية التي تثبت في كل يوم ضرورتها لفهم حركة المجتمع والقدرة على استيعابها.

نحن بحاجة ماسة إلى إعداد حكماء بقدر حاجتنا إلى تأهيل صناع بعيداً عن أسطوانة تلبية احتياجات السوق التي لاتزال بعيدة عن تحقيق هذا الهدف.

adel.m.alrashed@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه

الأكثر مشاركة