صنع في الإمارات
في الوقت الذي نؤكد أن الصناعة في الإمارات تُعد أحد خياراتنا في تحقيق استراتيجية التنمية وتنويع القاعدة الإنتاجية في اقتصادنا الوطني، فإنه يجب أن يتأكد لنا أيضاً أن ليس كل ما يصنع في الإمارات أو على أرضها يُعد إماراتياً!
فهناك العديد من المصانع الموجودة على أرض الدولة، ولاسيما في المناطق الحرة، ليست مصانع إماراتية، لا من حيث رأس المال أو القوى العاملة الوطنية، ولا من حيث الموارد الطبيعية الداخلة فيها، كما أنها لا تضيف أي قيمة حقيقية للاقتصاد أو تسهم في ناتجه المحلي!
إنها مصانع منقولة كلياً بمعداتها وآلياتها ورؤوس أموالها وعمالتها من الخارج، هذا «الخارج» الذي يمثل دولاً صناعية كبرى أرادت أن تتخلص من مصانع كانت تُشكل لها مخالفة صريحة لشروط البيئة، وسعت إلى المحافظة على ثروتها البشرية والحيوانية والزراعية، وبيئتها الطبيعية، فعملت على التخلص من تلك المصانع بعد أن أصبح معظمها «خردة»، لا تتوافر فيها شروط البيئة الصحية التي أصبحت مطلباً دولياً في العالم الصناعي والمتقدم، فلم يجد أصحاب تلك المصانع إلا نقلها إلى ديارنا! ونحن في إطار مصالح ضيقة للبعض، وغياب الوعي لدى البعض الآخر هللنا وكّبرنا اعتقاداً منا أننا أصبحنا من خلال مصانع «خردة» منتمين إلى الدول الصناعية أو نسير نحو تحقيق التنمية الصناعية، أو استطعنا أن نلحق بركب الدول المتقدمة.
إن تلك المصانع لا تُشكل إضافة نوعية، ولا تمثل ميزة نسبية لاقتصادنا، إنما تترك آثاراً خطيرة على الطبيعة، وأمراضاً مستعصية على الإنسان، وتدميراً حقيقياً للبيئة، ولعل ما يدل على ذلك تفشي أمراض كالسرطان والربو لدى أطفالنا وسكان الإمارات عامة.
إن تلك المصانع ليست مملوكة لمواطنينا، وإنما أصحابها يدفعون ثمناً لاستضافة إماراتنا لهذه المصانع، لكن على حساب الإنسان والبيئة، من هنا يجب أن لا نهلل أو نفرح أو نطبل لوجود تلك المصانع على أرضنا التي تنفث سمومها في سمائنا، ويجب الا نعتقد أنها تسهم في التنمية الصناعية في دولتنا، ويجب ألا نعتقد أنه من الذكاء جلب تلك «الخردة» لنا، بل يجب أن نكون متأكدين من أن هناك دولاً أرادت التخلص من تلك المصانع حماية لبيئتها، وهناك من يقبض ثمن نقلها إلينا من السماسرة والمرتشين، وهناك من يحصد ثمن تدمير بيئتنا وإنساننا وحيواننا وزراعتنا من المستشارين والمستثمرين وشركائهم من المتنفذين.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .