ماذا يمكن أن يفعل العرب؟

ليبيا دولة عربية ثرية، ولعل كثيرين يجهلون أن حصة الفرد فيها بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي من أعلى الحصص في العالم، ولديها مخزون هائل من النفط، و«الغاز» يؤهلها لأن تكون دولة متقدمة جداً في الشمال الإفريقي،

لكن ومع ذلك، فإن ثلثي الشعب الليبي يعيشون تحت خط الفقر، وترزح البلاد تحت سيف التخلف والفقر، ويعيش الناس فيها حياة أقرب إلى حياة القرون الوسطى في دول العالم الثالث، وكل من زار ليبيا يعيش حالة من الاستغراب والدهشة بين المعلومات التي تشير إلى ثراء هذه الأرض، وواقع حياة الشعب البدائية، وبالتالي لا يحتاج الفساد وتبديد ثروات البلاد والظلم وعدم المساواة إلى أي دليل إضافي في هذا البلد المؤهل لأن يتحول إلى دولة رفاه لا تقل عن سويسرا، فهو أغنى منها في ثرواته، وأقل منها في سكانه، لكنه يختلف عنها فقط في عقلية إدارة الثروة والبلاد.

ما الذنب الذي اقترفه الشعب الليبي، حتى يُقذف بالقنابل، ويحرق في الشوارع، ويقصف بالطائرات؟ ذنبه الوحيد أنه طالب بحريته، وطالب بحياة كريمة يعيشها البشر، فهل تستحق هذه المطالبات أن يقابلها النظام بالرصاص والنار والقنابل الحارقة التي حولت البشر إلى جثث متفحمة، بل إلى هياكل عظمية تخلو من الجلد واللحم، بعد أن أذابتها القنابل الحارقة؟!

أليس هذا هو الشعب الذي يحكم نفسه؟ أليست اللجان الشعبية التي «يفترض» أنها تدير دفة البلاد، هي ذاتها الآن التي تُقتل وتقطع أشلاء، لأنها تريد تغيير النظام، أو بالأحرى «وضع» النظام؟ فلماذا هذا التناقض والكذب والدجل الذي وصل اليوم إلى درجة الإجرام؟!

الطائرات التي قصفت شعباً أعزل إلا من هتافات، وقتلت 1000 نفس، وجرحت أكثر من 4000 في أقل من ليلتين، إنما هي في الواقع قصفت نظاماً قام على الباطل والجوع والفقر، وقصفت الإنسانية والمبادئ، وقتلت الأخلاق وجردت الإنسان من آدميته، وقتلت كل معنى جميل للدولة والقانون ومبادئ الخير والجمال.

التاريخ يعيد نفسه في ليبيا اليوم، وبعد أكثر من 2000 عام، يأتي نيرون الجديد ليحرق شعبه، بعد أن أحرق نيرون السابق روما، لقد دون التاريخ آنذاك واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبت، عندما أُحرقت روما عام 64م، بعد أن وصل جنون إمبراطورها إلى أبشع صور طغيانه، إذ قام بإشعال النار في روما، وجلس متفرجاً، مغنياً بأشعار هوميروس، واستمرت النيران مندلعة أكثر من أسبوع، حاصدة معها أرواح البشر من رجال ونساء وأطفال، ولم يترك نيرون وسيلة لتعذيب شعبه إلا فعلها.

ما يتعرض له الشعب الليبي، وما شاهده العالم من صور ولقطات كارثية لا تحتملها النفس البشرية، لا تقل فظاعة وبشاعة عن مجازر صبرا وشاتيلا، ولا تقل عن ما تعرض له فلسطينيو غزة، والفرق الوحيد هو أن تلك الأرواح العربية قد أزهقت بفعل عدو بغيض، أمّا الشعب الليبي، فإنه يُقتل ويُحرق من قبل حكومته، والعالم الذي تفرج على أشلاء وجثث غزة، يتفرج اليوم على مجازر أخرى في بقعة أخرى بالصمت نفسه!

فما الذي يمكن أن يفعله العرب؟!

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة