الوطن أسمى من الأشخاص

الوطن أسمى من الأشخاص، وقمة الجنون أن يعتقد الإنسان، مهما كان هذا الإنسان، قائداً أو زعيماً أو رئيساً أنه هو الوطن، والوطن هو، فالوطن باقٍ والأشخاص زائلون، والتاريخ مملوء بالعِبَر، والنماذج والدروس، لكن مشكلة الإنسان الكبرى أنه سريع النسيان، مهما كانت حدة ذكائه أو صلابة ذاكرته!

يقوى الإنسان بوطنه، ولا يقوى الوطن بشخص واحد، وقوة الزعماء تنبع من محبة شعوبهم لهم، ومحبة الشعوب لا تكتسب بالقوة، مهما أفرط القائد في استخدامها، وكثيرون عبر التاريخ أساؤوا استخدام القوة، ضد البشرية وضد شعوبهم، اختلفت الأزمان وأشكال العنف الشرس الذي استخدموه، لكن نهايتهم جميعاً كانت متشابهة!

مبادئ الطغاة تختلف عن مبادئ بني البشر، وقتل الإنسان لا يختلف كثيراً، في مفهوم الجبروت والطغيان، عن قتل حشرة، ولا مانع عندهم، كما قال أحدهم في يوم من الأيام جملته الشهيرة «إذا اضطررت أن تقتل نصف الشعب، فافعل ذلك حتى تتمكن من حكم النصف الآخر»!

واهمٌ من يعتقد أن القتل والتدمير يصنعان المجد، وواهمٌ من يعتقد، اليوم، أن الإفراط في استخدام القوة هو الوسيلة السريعة، لإرضاخ الشعوب وإجبارها على الرضا بالذل والهوان والظلم، وواهمٌ أيضاً من يعتقد أن بإمكانه، اليوم وفي هذا العصر تحديداً، أن يحكم الناس بأساليب العصور الوسطى، بالتكتيم والتعتيم وحياة الظلام والجهل، اليوم ليس كالأمس، وشعوب اليوم ليست هي شعوب الأمس، والمستقبل لن يعود إلى الماضي إطلاقاً.

لن يغفر التاريخ لكل من تسبب في إزهاق الأرواح في ليبيا، ولن ينسى التاريخ أن هذا الشعب الأعزل قُصِفَ بالطائرات والمدافع، وتفحمت جثث أبنائه، وتعرض لإبادة جماعية بشكل وحشي مجرد من كل إنسانية وقيم.

أرض ليبيا قتل عليها بشر كثيرون، لأنهم رفضوا ظلم المحتل الإيطالي، وقدمت هذه الأرض للبشرية بطلاً لا يمكن نسيانه، هو الشيخ الشهيد عمر المختار، واليوم يُقتل أحفاد المختار ويُحرقون، ويُقطعون أشلاء صغيرة، كل ذلك على أيدي أحفاده أيضاً لا على يد الطليان!

الإنسان يبقى إنساناً، يصبر على القهر والظلم، لكنه لا يستطيع احتماله، والإنسان يبقى إنساناً، ولا يمكن أن يصبح جرذاً أو جرثومة، فالجرذان لا تكسر حاجز الخوف أبداً، بينما الإنسان يكسر خوفه فوراً إن شعر بكسر في كرامته وآدميته، وإن استطاع الإنسان أن يكسر حاجز خوفه، فلا يمكن لأي طاغية، ومهما اتبع من أساليب أن يوقف زحف الكرامة والعزة والشوق إلى الحرية التي تحرك المظلوم والمكبوت.

المجد ليس في القتل وتدمير الوطن، وليس في التشبث بالسلطة والكراسي، فالتاريخ يقسو كثيراً على الجبابرة، ربما بدرجة تفوق قسوتهم على أنفسهم وعلى شعوبهم، وهم في أوج جنون العظمة، المجد في بناء الأوطان والإسهام في رفاهية ورخاء الإنسان، المجد في التضحية والتفاني، من أجل حصول كل ذي حق على حقه، والمجد في تأسيس دولة حضارية راقية، قائمة على أساس العدل، الذي لا حياة للإنسان من دونه.

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة