من المجالس
دوام الحال من المحال
هل هو غضب أم صحوة أم كسر لحاجز الخوف هذا الذي يجري في حواضر العرب هذه الأيام؟ أراضٍ تموج، ودول تتخلخل، وحكومات تترنح، وقيادات «تاريخية» ترفضها حتى متاحف التاريخ، وهيبة انفضحت درجة هشاشتها بعد أن أكلت دابة الأرض منسأتها فتبينت الشعوب أن لو كانت تعلم الغيب ما لبثت في العذاب المهين طول هذه السنين.
دول عربية عريقة ذات تاريخ ضارب في القدم وحضارات علّمت البشرية أبجديات الحياة، وسبقاً في الاستقلال، وريادة في التقدم الإنساني والعطاء الفكري والإبداع الحضاري جثمت على صدورها سلطات «وطنية» أعادتها دهوراً إلى الوراء وكأنها في مقاربة مع أفلام هوليوود التي تبشر بعودة البشرية إلى العصور البدائية وسيادة شرائع الغاب بعد أن يأكل الإنسان بعضه.. دول كنا نراها في كتب الجغرافيا المدرسية نماذج كبيرة لم نكن نحلم بمجاراتها يوم كان يأتينا منها المعلمون والأطباء والقضاة، وحتى لاعبو ومدربو كرة القدم.
هذه الدول ضاقت فيها الحياة بما رحبت على تلك الشعوب الولّادة المبدعة التي اختار الكثير منها الهجرة بحثاً عن هواء نقي ونومة آمنة ومدرسة يجد فيها أبناؤهم مقعداً لا يشاركهم فيه أحد. ولكن دوام الحال من المحال، والاستمرار في قبول دور المتلقي الراضي الخانع صار بركاناً امتلأت به الصدور، ليس تمرداً على الجوع فقط ولا على طول فترات الولاية، كما أعتقد، ولكن غضباً من ضياع الأوطان من بين الأيادي، واضمحلال مكوناتها الوطنية والحضارية، والشعور بدرجة لا تطاق من التهميش والاستخفاف والاستعلاء إلى درجة الاحتقار، ولأن مكنونات الحضارة ومكونات الغيرة على الأوطان تظل موجودة وإن جار عليها الغبار أو هيل عليها الرماد، وتبقى حية وإن بقي الطغيان واهماً بأنها النومة الأبدية.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.