الشهور السود في حياة المضاربين
من دون وعي أو فهم لطبيعة ومعطيات السوق المالية، أو لعبة الأسهم، تدفقت أعداد من المواطنين والمقيمين إلى سوق المضاربات في أبوظبي ودبي، يحملون معهم كل مدخراتهم، وحجماً كبيراً من القروض التي استطاعوا الحصول عليها من مصارف تجارية، دخلت طرفاً مباشراً في لعبة المضاربات، وأهملت دورها الحقيقي في تمويل مشروعات التنمية، وتوسعت في هذه اللعبة حينما وجدت إقبالاً شديداً من قبل أناس لا يملكون وعياً، بقدر ما يحملون بين جنباتهم، وفي ثنايا عقولهم، أحلاماً وردية وطموحات عريضة، واستغلت تراخي المصرف المركزي في سياسته الرقابية المصرفية، لتفتح أبوابها على مصراعيها، لتقديم قروض وتسهيلات.
وبعد أن استنفدت جانب القروض الشخصية، منحت قروضاً تجارية، الجزء الأكبر منها ذهب لمضاربات في سوق مالية يفترض أن تكون وظيفتها الأساسية حشد المدخرات، ورفدها في الاقتصاد الوطني، لتسهم بدورها في دعم الناتج المحلي الإجمالي.
لم يقرأ المضاربون تلك السوق جيداً، لأن أحلامهم الكبيرة والعريضة أصابت عقولهم بغمامة، أدت إلى نسيانهم أن السوق المالية لم تعد كذلك، ولم تعد ساحة للمستثمرين، وإنما أصبحت أشبه ما تكون بـ«صالة قمار».
ربما يربح أحدهم في بداية الأمر، ولكن رغبته في استمرار الربح، ثم الربح، جعلته مدمناً على تلك السوق. ولم يدرك أولئك المضاربون أن هناك من يملك سلطة القرار في تلك السوق، من كبار المضاربين أو المقامرين الذين وجدوا في تزايد أعداد صغار المضاربين الحالمين بالثروة السريعة، فرصة سائغة يسيل لها اللعاب، فأعدوا العدة، ونصبوا الشباك للأسماك الصغيرة، ووضعوا داخل تلك الشباك طعماً تكاثرت حوله الأسماك الصغيرة، وإذا بها ضحية للعبة كبيرة لم يفقهوا فنونها أو أصولها، فتبخرت أموالهم التي هي مدخراتهم ومديونياتهم الصعبة، وتبخرت معها أحلامهم، وتحولت إلى سراب، وأصبحت أيامهم صعبة للغاية، إذ لم يعد هناك يوم أو يومان أو أيام سود ينتظرون انقشاعها عن أسواقنا المالية، بل أصبحت شهوراً وسنوات ثقيلة وطويلة جداً.
وفيما أصحاب أقلام مأجورة يطالعوننا بأعمدة تبشرنا بالفرص التي توفرها هذه السوق، حيث الفرصة مواتية للشراء، وأن الأيام أصبحت بِيْضاً، وإذ بتلك الأيام تزداد سواداً وحلكة، وبالأسعار تتراجع، بعد أن حصد كبار المضاربين (المقامرون) كل الأيام البيض، حينما تمكنوا من سيولة السوق، وسرقوا أموال وأحلام المدخرين والمقترضين، ورموا بقليل من الفتات لأولئك الذين خدموهم من أصحاب الأقلام المأجورة، وولّوا بعيداً عن تلك السوق، تاركين خلفهم أياماً بل سنوات سوداً صعبة، فيما ازدادت أيام صغار المقامرين سواداً وظلمة، كما ظلمة السجون التي هي مصيرهم، والليالي الصعبة التي تمر عليهم وعلى أسرهم!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .