أبواب
ظل الديكتاتور
كشفت ثورة الشعب الليبي عن سماكة الظل المعتم الذي كانت قد تركته شخصية العقيد معمر القذافي على الجغرافيا الليبية، وعلى شخصية الشعب الليبي الذي ظلّ يتوارى قهراً لما يزيد على 40 عاماً، خلف مشهد صورة العقيد بيناشينه، وثيابه الفلكلورية وقبعاته. وأسلوبه في إلقاء الكلمات في حشود الليبيين، وفي تلك البحة المتأنية إلى حد الضجر إزاء أذن المستمع الليبي وحتى العربي.
إنه الظل الفولاذي الذي ظل يتحرك طوال هذه السنوات في اعتقال الأجيال في كتابه الأخضر وفي هرطقاته التأملية، وفي اجتراح التقاويم الجديدة، واجتراح الانفلات الجماهيري، والعمل على تمييع فكرة الدستور والمؤسسات والمنظمات المدنية، والذهاب نحو الألقاب التي كانت تمغنط روحه بجنون العظمة وهو يتوج نفسه «ملك ملوك افريقيا»، كما يؤكد محللون نفسيون.
ولأن لكل ديكتاتور ظلا فولاذياً لا يحتمل مثل هذا العُري، فقد ظهر العقيد مريضا مصابا بالعصاب النفسي والختل الروحي وهو يصف شعبه الثائر بـ«الجرذان والجراثيم والمقملين»، مهدداً في خطابه بتحويل ليبيا الى جمرة حمراء من الدم. لا لشيء سوى أن الديكتاتور الذي خلق مثل هذا الظل الفولاذي على شعبه لا يحتمل أن يرى أي احد في المشهد سواه!
ثورة الشعب الليبي استطاعت في أقل من أسبوع أن ترينا بوضوح تام جغرافيا المدن الليبية وهي تنتفض وتثور لترينا مشهد الشعب الليبي الحر، واستطاعت أن تمزق الظل الفولاذي السميك الذي غطى الروح المعافاة لهذا الشعب طوال تلك السنوات العجاف.
نعم، لقد اكتشف الشعب العربي من خلال الفضائيات والرسائل المصورة والطائرة عبر الشبكة العنكبوتية والـ«فيس بوك»، ماهية الشعب الليبي. فهذه المرة الأولى التي يرى فيها الشعب العربي بوضوح الملامح الجميلة للمواطن العربي الليبي، وتلك الملامح العربية الأصيلة في شخوص المعارضة التي تناوبت في الحضور عبر الفضائيات.
وهذه المرة الأولى التي يتمتع فيها العربي بسماع اللهجة الليبية التي تنم عن لسان عربي هو أقرب الى الفصاحة منه الى التأتأة التي ظلت تلازم صوت العقيد.
وهذه هي المرة الأولى التي يرى فيها المواطن العربي بوضوح هذا الحب العميق الذي أبدته الجماهير الليبية بكل أطيافها تجاه ليبيا، وهي تقول «ليبيا فوق الجميع»، ويتبع ذلك انضمام قطاعات من الجيش ومن الرموز السياسية الى الثورة من أجل ليبيا.
هذه هي المرة الأولى التي ينحسر فيها ظل الديكتاتور عن شعب استطاع أن يثبت أنه الحفيد الشرعي للمجاهد عمر المختار الذي قال من على منصة اعدامه «نحن شعب لا نستسلم، فإما أن نموت أو ننتصر».
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.