في الحدث

محاكمة دوريان غراي

مصطفى الحفناوي

في رائعة أوسكار وايلد «صورة دوريان غراي»، استجاب القدر لأمنية الشاب اليافع بأن يظل على شبابه وجماله، وأن تتلقى الصورة التي رسمها له الفنان «باسيل هولوورد»، تأثيرات الزمن والعمر. كان لابد أن تتأثر الصورة بما تكنه النفس البشرية من شر وما يرتكبه الجسد من أخطاء وخطايا، فكست الوجه ملامح القسوة ولمعت العينان بالنظرات الوحشية، لكن الشاب استمر مستمتعاً بحياته وبدا في رقة الحمام.

الإحساس بالذنب لا يلازم الشاب بعد أن تسبب في انتحار فتاة بريئة، ولا بعد قتله شخصا بالخطأ، ولا بعد أن يخدع كثيرين سنوات طوالاً، لكن في النهاية يطعن دوريان غراي صورته ويمزقها فيبدو وجهه الحقيقي القبيح الذي تأثر بما فعله من جرائم.

وفي السياسة، تحرص نظم حكم على تقديم صور ليست في نقاء صورة دوريان غراي يوم أبدعها باسيل هولوورد، لكنها على الرغم من قبحها الشديد لا يستطيع المرء أن يتنبأ متى تصل إلى مرحلة التشبع من الآثام والجرائم.

وفي حالة المواجهة مع الجماهير، وفي حال الثورة عليه يتخلى النظام عن هذه الصور أو رموز الفساد ليبقى هو في النهاية قادرا على إعادة إنتاج نفسه والقيام برد فعل أو ما يسميه البعض «ثورة مضادة»، خصوصا أن هذه الرموز «غرقت» في الفساد حتى الأذنين وليس «الركب»، ولن يضيرها كثيرا الصمت عن فاسد أكبر أو زميل في «رابطة الفساد» يتوقع أن يمد أحدهما أو كلاهما يد العون في وقت ما.

كثيرون يخشون أن يكون الوضع في مصر قريبا من هذه الحالة، إذ إن محاكمة وزراء السياحة والداخلية والاسكان السابقين، وأمين التنظيم السابق في الحزب الوطني رجل الأعمال أحمد عز، وترحيلهم في سيارات وزارة الداخلية كأي متهم آخر، وتقديم وزير الاعلام السابق أنس الفقي إلى المحاكمة ومنع عدد من رجال الأعمال والمسؤولين السابقين من السفر ليس هو كل المراد، خصوصاً أن الجميع على يقين من أن الفساد في مصر لم يكن فرديا إنما «مؤسسي». والفساد المؤسسي له آليات، حدد أبرزها الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون الفساد عبدالخالق فاروق بأنها: إفساد مجموعة من السياسات والقوانين ووجود قواعد عرفية في التعامل ما بين مجموعة الفاسدين وناهبي المال العام، ووجود خطوط اتصال دائمة ومنتظمة بين هذه المجموعات وقمة الجهاز التنفيذي، وإفساد مؤسسات الرقابة ومنها مباحث الأموال العامة.

هذه الآليات التي رصدها الباحث بالإضافة إلى ما كانت تنشره الصحف وما كان قيد التداول الشفهي دون النشر، تؤكد أن قفص الاتهام يجب أن يتسع كثيرا، فالمتهمون المحتملون والمشتبه فيهم أكثر بكثير من الذين نراهم حاليا رهن التحقيق وممن قدمت بلاغات بشأنهم.

ولا أظن أن عددا كبيرا من المصريين سيقتنع بأن هؤلاء المتهمين فقط هم المسؤولون عن الفساد الذي انتشر في البر والبحر من تخصيص أراضٍ لرجال أعمال مقربين بأسعار غير واقعية على الاطلاق إلى تبديد ثروة البلاد الصناعية في برنامج الخصخصة، إلى فساد العبارات التي غرق بسببها الآلاف من أبناء الشعب.

المصريون يريدون محاكمة الفساد المؤسسي و«مؤسسة الفساد»، وبعبارة أخرى إنهم يريدون محاكمة دوريان غراي وليس صورته.

alhefanawy@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر