ربيع التغيير
في طفولتنا قصة في كتاب القراءة، قرأناها كثيراً، وكانت ذات معنى جوهري في الحياة. القصة كانت تتحدث عن طائر في قفص، توقف عن التغريد وأصابه الهزال، وكان الحزن بادياً في هيئته. اصبح طائراً حزيناً، على الرغم من أنه مغرد في طبعه. هذا الطائر بقي على هذه الحال إلى ان كاد ينسى جناحيه، وقد لاحظ ذلك صاحب البيت. ولكن في لحظة ذات مغزى ايضاً، حزن صاحبه على وضعه، وما ان فتح باب القفص، حتى انطلق الطائر في الفضاء، يرفرف بقوة، كما لو انه تذكر أن لديه جناحين هما توأمان للريح والحرية والنشيد. ومنذ تلك اللحظة «التاريخية» عادت إلى الطائر صحته، وعاد الى الشمس والتغريد والانطلاق في الهواء الطلق، وظل يغرد نشيد الحرية، راسماً البهجة في كل مكان.
هذه القصة البسيطة، ذات المعنى العميق، تنطبق على أحوالنا هذه الأيام، ففي تونس ظل الطائر حبيس القفص اكثر من عقدين، وفي مصر نحو أربعة عقود، وفي ليبيا ظل الطائر رهين القفص لما يزيد على أربعة عقود، وهو الآن ينتفض ناشداً الحرية والشمس والهواء والغناء في البراري المفتوحة على الحلم بغد جميل، يخلو من قفص ورصاصة طائشة أو مقصودة.
لقد قال التاريخ إن الحرية لا تُشترى بالمال، وإن انسانية البشر تظل محجوبة ومعتمة ومكممة، في غياب الحرية والعدالة والحياة الكريمة، هذه القيم الأساسية التي ينشدها كل الناس على «هذه الأرض التي تستحق الحياة»، وتستحق التضحيات وتستحق الورد.
من الواضح أن «الربيع العربي» حل مبكراً هذه السنة، لكن في الحقيقة ان هذا «الربيع» ظل في مرحلة كمون لسنوات طويلة، والآن بدأت زهور التغيير بالتفتح قبل موعد «الانقلاب الربيعي».
هذا الربيع الجديد يؤكد قانون الطبيعة المتمثل في التجدد والتغيير وتبدل الفصول والحركة، فالأحوال البشرية تغيير، مثلما تغير الأشجار أوراقها. كما ان البذرة الصغيرة قادرة على النمو في الصخر، ولديها طاقة قادرة على كسر الظلام السميك. وكما تتوق الطيور إلى الفضاء الرحب، تتوق الشعوب الى حريتها المشمسة، مهما طال زمان العتمة.
الآن شعب ليبيا يقدم الشهداء يوماً بعد يوم، ليفتح بوابة الحرية على وسعها. ومن ينشد الحرية لا تقف امام مسيرته «صخرة صماء» أو أسوار أو سراديب أو دروع ورصاص.
لقد سال دم الشعب الليبي في الطرقات، وما هذه التضحيات إلاّ مهر لعروس الحرية والكرامة والمجد الحقيقي. ولن تتوقف جموع الشعب وهي تدق بوابة الحرية بيدها المدججة بالحلم، لا بالسلاح، لتُسمع كل «حجر أصم» صرخة تزلزل من أجل غدٍ جميل.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.