أبواب

طعم الانقلاب

خليل قنديل

قبل اندلاع الثورات المتلاحقة في غير عاصمة عربية، ابتداء من تونس «البوعزيزي»، ومروراً بقاهرة ميدان التحرير، وتفجر الثورة الشعبية في المدن الليبية، وفي غيرها.

قبل هذه اللحظات العظيمة التي عبرت عن بوصلة الجماهير تجاه التحرر، وكسر القيد، كان المثقف العربي في حالة انسحاب تدريجي من المشهد التحرري الذي يرتبط بهمّ الناس وأوجاعهم.

نعم قبل ذلك كله كان المثقف العربي مكشوف الرأس والظهر، وهو يتلقى الركلات الترجيحية، التي تسدد في مرماه الهدف تلو الهدف، وكان هذا المثقف، تخلى عن دوره النضالي منذ خروج الثورة الفلسطينية من بيروت، وتشظي التنظيمات السياسية العربية المعارضة في المنافي، وفي أكثر من عاصمة غربية، ومن ثم عودته إلى تنشق هواء الوطن، ضمن إعفاءات جمركية للسلطة العربية، والبدء فعلياً في قيام بعض السلطات العربية بشراء ذمم العديد من المثقفين العرب، والاستقواء بهم على الباقين الذين ظلوا يقبضون على جمر الحرية.

نعم كانت الساحات الثقافية العربية، قبل ذلك التاريخ، قد هدأ ضجيجها النضالي، وبدأ التشذيب الخبيث للشعر، باعتباره من مخلفات العصر الماضوي المنقرض، وغاب الشاعر عن المنبر، وغابت القصيدة التي تمس أوجاع الجماهير، وبدأت الكتابة العربية تتخلى عن الأغنية الجادة، والمسرح الجاد، والدراما الجادة، وصارت الرواية بقدرة قادر هي ديوان العرب الجديد، وصرنا نشاهد فلول الكتاب وهي تهجر قناتها الإبداعية الأساسية من شعر وقصة، كي تذهب نحو كتابة الرواية.

وبالطبع، فإن هذا الإقبال الساذج على احتلال مساحة الرواية بمواهب عربية جدّ متواضعة، قد ساق الرواية نحو فلتان كتابي ظلّ يحلم بكسر التابو الاجتماعي، وكشف عورة المسكوت عنه في المجتمعات العربية، بنوع من الجرأة التي صارت مشبوهة.

نعم قبل هذه الثورات الجماهيرية المتلاحقة في غير عاصمة عربية، كانت الثقافة العربية قد بدأ العرج الحضاري يعتري أوصالها، وهي تتمثل وتتقمص عقدة الخواجا الغربي بأحط أشكالها.

نعم حدث كل هذا في البناء الثقافي والإبداعي العربيين، لكن رياح التغيير التي بدأت تهب من العواصم العربية بدأت تمنحنا أوكسجين مختلفاً مضمخاً بطعم الحرية التي هجرت أنوفنا طويلاً، وبدأ الحبر الكتابي العربي يتلذذ بطعم الانقلاب الذي سيضعنا في مستقبل قريب أمام كتابة جديدة، إن لم نقل أمام كتابة خارقة.

khaleilq@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر