في الحدث
محاسبة بعد المكاشفة
«سقوط الباستيل»، هي العبارة التي تداولها كثير من المصريين في «الشات»، على «الإنترنت»، بعد اقتحام مقار لمباحث أمن الدولة، أول من أمس، في تشبيه واضح وصريح بسجن الباستيل، الذي كان رمزا للطغيان والظلم والقهر في زمن الملكية الفرنسية، واقتحمه الثوار، ليرفعوا عاليا شعارات الثورة: «الحرية.. الإخاء.. المساواة»، ولتكون ذكرى اقتحامه عيدا وطنيا لفرنسا.
الأغلبية الساحقة من المصريين لم يكونوا بحاجة إلى قراءة تاريخ فرنسا قبل الثورة، ليعرفوا قسوة التعذيب في المعتقلات، إذ كان أصدقاء وأقارب وصحف ومنظمات أهلية تروي ما كان يجري في مقار مباحث أمن الدولة، في القاهرة والمحافظات، وصدرت أحكام قضائية أكدت حدوث تعذيب في قضايا عدة.
كلمة مباحث أمن الدولة كانت تصيب كثيرين بالرعب، وإذا كان الشخص من ذوي المكانة أو الوضعية الاجتماعية المتميزة، كانت تصيبه بالقلق على الأقل.
صديق مثقف قال لي إنه كان يشعر بقشعريرة في جسده، كلما مر أمام مقر لهذا الجهاز، وآخر لم يأمن للذهاب وحيدا عندما تم استدعاؤه في أمر بسيط.
ورغم ذلك، فإن أروع ما أفرزته عملية الاقتحام ليست عملية «قتل الرعب»، وإنما عملية الكشف التي بدأت، والتي من المتوقع أن تستمر أشهراً مقبلة، وقد تتحول إلى مكاشفة ومحاسبة مدعومة بوسائل اتصال غير مسبوقة في تاريخ البشرية.
لن يستطيع أحد أن يمنع انتشار الوثائق والمعلومات في عصر «الإنترنت»، وكم كانت المفاجأة كبيرة عندما قمت بالبحث، أمس، عن ما تم نشره خلال 24 ساعة على الشبكة العنكبوتية، عن أمن الدولة في مصر، فجاءت نتيجة البحث 700 ألف خلال 11 ثانية فقط.
أما أكثر ما يقلق في موضوع الاقتحام، فهو احتمال استخدامه للتغطية على وثائق تم التخلص منها بالفعل، أو وثائق مازال يحتفظ بها البعض، الأمر الذي يخشى معه إخفاء أدلة تدين متهمين بالتعذيب.
الاقتحام قام به آلاف بعد أن ترددت أنباء تفيد بأن ضباطاً يحرقون ملفات تحتوى على أدلة إدانة لهم، فهل جاءت عملية الاقتحام متأخرة؟ إذ ليس من المتوقع أن يترك متهم أو من هو في موضع الاشتباه ما يدينه أكثر من ثلاثة أسابيع، من دون أن يتخلص منه، بدأت عملية الكشف، وأتمنى أن تكتمل قريباً لتبدأ المحاسبة.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .