احذروا
تتواصل على امتداد الساحة العربية، تلك الانتفاضات الرافضة لبعض أنظمة الحكم القائمة. والغريب، هو أننا لم نكن نعير سنوات السلطة اهتماماً بالغاً من قبل، كما نفعل اليوم، حيث ما إن تصادف أحداً في مكان عام، إلا ويبدي استغرابه من طول سنوات الحكم في الوطن العربي، وكأننا نكتشف الأمر حديثا. ودلالة هذا الأمر، تتمثل في تغييب القطاع الأكبر من الناس عما يجري من حولنا ولنا. وهنا أعود لأكرر أن السبب يكمن في فشل النخب العربية الثقافية، التي عزلت نفسها عن الناس، واكتفت بمقر حزبي أو ثقافي، تلتقي فيه مع ذاتها، من دون أن تعرف الأغلبية شيئاً مما يدور في الداخل، من تنظيرات سياسية وثقافية لا قيمة لها، بسبب القطيعة الموضوعية بينها وبين من يهمه الأمر«أي الجماهير»!
علينا ألا ننكر أن السبب الرئيس في انتفاضة الشعوب العربية، هو مدى صعوبة الحياة الإنسانية الذي وصل إلى حد متفجر، والاحتقان المتراكم من شدة الرعب والخوف والمذلة.
أي أن الانتفاضات العربية بدأت من قاع الهرم أولاً، ولا يستطيع حزب أو جماعة أو قائد أن ينسب إلى نفسه الفضل في تحريك الجماهير، ولكن الانتفاضة خلقت مناخاً ملائماً للمثقفين الذين اعتلوا منابرها، وهذا في حد ذاته ليس خطأ، ولكن الخطأ هو أن تسلم الجماهير قدرها كله إلى هذه النخب مرة أخرى. فالاستبداد ليس مجموعة جينات موجودة في شخص دون آخر، ولكنه صناعة اجتماعية وسياسية وثقافية، فكثير من أبناء الطبقات الوسطى تحولوا إلى مستبدين وطغاة، بفعل عوامل موضوعية وذاتية. وللتذكير فقط، فإننا نشير إلى أن حكام مصر منذ عبدالناصر، كانوا من أبناء الطبقة الوسطى، ولم يرثوا السياسة والثراء والسلطة من آبائهم، ولم يكن لديهم من القوة المالية ما يساعدهم على تسنّم السلطة.
وما نقصده بهذا الكلام، هو أن على الثورة الشعبية أن تنتج قادتها الجدد، وألا ترتمي في أحضان النخب الثقافية والسياسية المعروفة، التي لم تكن معنية إلى حد كبير بالتغيير الشامل، مقدار عنايتها بالإصلاح، الذي يمهد لها الطريق للمشاركة في الحكم.
وكل ما نخشاه اليوم، نابع من قراءتنا ومشاهدتنا لما يحدث بعد انتصار الجماهير في مصر وتونس، وربما في ليبيا بعد حين، حيث قفزت إلى واجهة المشهد شخصيات وأسماء وأحزاب، أخذت على عاتقها حرف هذه الثورات عن أهدافها الحقيقية، والمتاجرة بدم الشهداء والمظلومين، للوصول إلى أهداف شخصية، بأقنعة براقة، تشبه وجوه البسطاء والطلبة والنائمين طوال عقود على القهر والعسف والخوف والمهانة. لقد أخذ هؤلاء على عاتقهم، بنيات حسنة وسيئة، أن يحرفوا الثورة الشعبية عن أهدافها الحقيقية. فالثورة ليست مجرد تغيير وجوه واستبدال أخرى بها، وإنما هي عملية هدم شاملة لكل الأسس التي قامت عليها البنية السابقة، واستبدال أسس جديدة بها، لكي تتم إعادة البناء من جديد، في شكل مغاير، قائم على جوهر مغاير لكل ما كان من قبل.
وعلى سبيل المثال، فإن أحداً ممن ثاروا على البنية القائمة، لم يفكر أبداً في مقايضة الراهن المظلم، بالوصاية \ الغربية، لأن هذه الوصاية كانت ركناً رئيساً في البنية السابقة، التي عملت على تدجين الناس بشتى السبل، حفاظاً على سلامة العدو الصهيوني في المنطقة، وحفاظاً على إبقاء الثروة العربية قيد السرقة إلى ما شاء الله.
أيها الناس، فاحذروا!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.