يا مُعلم يا حسود
مهنة التعليم عندنا في مأزق حقيقي، والحاجة إلى المعلم المواطن في زيادة، والحلول المطروحة لاتزال أقل قدرة على سد هذه الحاجة، بل لاتزال تراوح في الخطاب القديم نفسه. والمأزق الأكبر أن كل الجهود التي بُذلت حتى الآن لم تفشل فقط في مجاراة التوسع في قطاع التعليم وزيادة الحاجة إلى إعداد المعلمين المواطنين، ولكنها في الحقيقة أخفقت في الحفاظ على النسبة التي كانت موجودة قبل أكثر من 10 سنوات من الآن، فأصبح التراجع مضاعفاً، من ناحية تسرب الموجودين وعزوف المطلوبين للمهنة.
تقول وزارة التربية والتعليم إنها بحاجة إلى 5000 معلم مواطن، ثم تصدمنا بحقيقة أن توفير هذا العدد يحتاج إلى 15 سنة من التأهيل والإعداد، حسب الطاقة الأكاديمية المتوافرة لتخريجهم. ولم تخبرنا الوزارة بأنها ستضمن بقاء أكثر من هؤلاء في المهنة بعد تخريجهم وصرف المال والجهد والوقت عليهم، وألا يؤول مصيرهم إلى مصير من سبقوهم عندما وجدوا أنفسهم عبيداً لمثاليات عاقبهم عليها المجتمع بالمزيد من الإهمال مادياً ومعنوياً، حتى غدت كلمة «أستاذ»، التي كانت في ما مضى كافية لكسب الاحترام والتبجيل، سبباً لوقوف صاحبها اليوم في آخر الصفوف. نلف وندور ثم نعود لنتهم الشباب بالوقوع في شرك القيم المادية وكأن هؤلاء العازفين عن مهنة صناعة البشر ليسوا من صناعة الواقع. وإذا اشتكى معلم، لايزال متمسكاً بوظيفته، الضيم والإهمال والتهميش ويقارن نفسه بزميله في الدراسة الذي انخرط في المؤسسة العسكرية في الراتب والمكانة، اتهمناه بالحسد والتطاول على سُنة الله في توزيع الأرزاق. نحن بحاجة أولاً إلى تغيير المفاهيم قبل مطالبة الشباب بتغيير وجهاتهم الوظيفية، واختيار مهنة التعليم من باب كسب الثواب فقط، بينما تذهب المكاسب الأخرى إلى غيرهم وبأقل مجهود.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .