تعديلات في مهبّ الريح
التعديلات المقترحة على الدستور المصري باتت في مهب الريح مع اتجاه تيارات واسعة الى رفضها، والدعوة للتصويت ضدها في الاستفتاء المقرر يوم 19 مارس الجاري، والمطالبة بإعداد دستور جديد عبر جمعية تأسيسية منتخبة.
هذه التعديلات التي كانت في وقت ما «حلما»، للملايين من أبناء الشعب كونها تفتح الباب واسعا أمام راغبي الترشح لرئاسة الجمهورية، وتعيد إشراف القضاء على العملية الانتخابية، وتلغي المادة 74 من الدستور التي تعطي صلاحيات مطلقة لرئيس الجمهورية، لم تعد تشبع طموحا مشروعا لكثيرين.
تشكيل اللجنة التي قامت بالتعديلات تعرض لانتقادات قليلة ظهرت على استحياء لكن إنجازها عملها في فترة وجيزة جعل الرفض منصبا على الموضوع وليس على التشكيل. المرشحان المحتملان للرئاسة الدكتور محمد البرادعي المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، انتقدا التعديلات، وأعلنا أنهما سيصوتان ضدها في الاستفتاء المقرر، ما يعني أن كتلا تصويتية كبيرة ستصوت بـ«لا».
المتنافسان اللذان بدآ السباق مبكرا اتفقا على أن الدستور الحالي لا يحتمل التعديل، وأن المهلة المحددة للانتخابات البرلمانية غير كافية، وأكدا ضرورة انتخاب جمعية تأسيسية لإعداد دستور جديد بعيدا عن هذه التعديلات.
رفض التعديلات لم يقتصر على البرادعي وموسى، بل امتد إلى قوى ليبرالية عدة، منها حزب الوفد، ترى أن الحل الأفضل هو إعداد دستور جديد وإن كان هذا سيستغرق وقتا أطول، معتبرين أن طول الفترة سيعزز الحياة السياسية والنشاط السياسي، وسيؤدي إلى بلورة الاتجاهات والتفاعل بدرجة أكبر مع الشارع السياسي.
وسط هذا الرفض الواسع للتعديلات يبرز دور جماعة الإخوان المسلمين المؤيدة لها، والتي أعلنت على لسان المتحدث باسم الجماعة الدكتور عصام العريان أنها ستصوت بـ«نعم»، وأنها تؤيد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في موعديهما. موقف الإخوان قد يكون نابعا من إدراك الجماعة أنها القوة السياسية الأكثر تنظيما في المرحلة الحالية، ما يتيح لها تحقيق نتيجة ترضيها إذا أجريت الانتخابات البرلمانية في موعدها. أمام هذا التباين السياسي فإن المتوقع أن يترك «المجلس العسكري الأعلى» القرار لصناديق الاقتراع لكن ظهور خلاف بين أعلى هيئتين قضائيتين في البلاد حول الجهة صاحبة الاختصاص بالفصل في صحة عضوية مجلس الشعب ربما يدفع المجلس لإعادة بحث الموضوع.
التعديلات المطروحة للاستفتاء أعطت المحكمة الدستورية العليا اختصاص الفصل في صحة العضوية، الأمر الذي اعتبرته محكمة النقض سلبا لاختصاص دستوري مقرر للمحكمة، وفقا لدستور ،1971 من دون مبرر مقبول، وطالبت بإعادة النظر في مشروع تعديل المادة 93 من الدستور، وإعادة إسناد هذا الاختصاص لها. من جانبها، أصدرت «الدستورية العليا» بيانا نفت فيه أن تكون سعت إلى هذا الاختصاص، ودعت المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى اتخاذ «القرار المناسب بشأن هذا الخلاف».
وبعد هذا البيان، أعاد «المجلس العسكري» الاختصاص بالفصل في صحة العضوية إلى محكمة النقض، لكن كمّ الخلافات حول التعديلات الدستورية، أصبح كبيراً، فهل يجد المجلس إنه من الأفضل الاستجابة للمطالبين بدستور جديد وإلغاء الاستفتاء على التعديلات الدستورية؟
ربما نعم، وربما لا، لكن المؤكد أن هذه التعديلات الدستورية ستظل في مهب الريح.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه