الثورة والمثقف الانتهازي
في اليوم الذي اتخذت أميركا قراراً بفرض حظر جوي على ليبيا تحت مبررات حماية المدنيين الليبيين، كانت أميركا تستنكر تسمية شارع في فلسطين باسم الشهيدة دلال المغربي، وسبب الاستنكار كما ورد في التصريح الأميركي الذي يطالب الفلسطينيين بإعادة النظر، هو أنه لا يجوز تسمية شارع باسم إرهابية قتلت 35 إسرائيلياً، ولنتذكر هنا أن القتلى كانوا من جنود العدو الصهيوني، فعلى من تقرأ مزاميرك يا داود؟
نحن من المحيط إلى الخليج مع حق الشعب العربي في أي بلد على امتداد مساحة هذا الوطن الكبير، مع حقه في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، ولا ندعم هذا الحق لأحد ونستنكره على شقيق آخر، ولكننا لسنا مع التدخل الأميركي في أي بلد عربي، ونذكّر الفرحين بهذا القرار، بالمشهد العراقي القاتم، الذي يزداد قتامة كل يوم حتى الآن، على الرغم من مرور عقدين من الحظر الجوي الأميركي على العراق!
سيقول البعض إن من حق أميركا أن تتصرف وفقاً لمصالحها، ونحن نسمع مثل هذا الكلام كل يوم من على منابر فضائيات عربية، ونقرؤه كل يوم في الصحافة العربية المكتوبة، ونقول هنا إن المصالح التي تؤدي إلى استعباد الشعوب وسرقة ثرواتها وامتهان كرامتها ليست سوى تسمية مقنعة للاستعباد والاستبداد، وما الآراء التي تسوّق هذا الكلام إلا انخراط حقيقي في المشروع الغربي الذي يستهدف هذه الأمة من مشرقها إلى مغربها.
فلنخرج مرة واحدة من مواقفنا الغرائزية، وغير العقلانية، ولنعط أنفسنا مرة واحدة فرصة لرؤية أبعد مما هو مرئي، وأكثر شمولية مما هو جزئي وراهن. ولنتساءل عن سر هذا الحرص الأميركي على حياة المدنيين العرب، منذ متى؟ وأين، وكيف؟ في فلسطين مثلاً، في لبنان، في العراق؟ كم عدد الشهداء العراقيين والفلسطينيين واللبنانيين القتلى بالرصاص الأميركي، وبالدعم الأميركي العسكري والسياسي؟ وكم مجزرة ارتكبتها أميركا مباشرة في العراق وفلسطين ولبنان؟ هل نسينا غزة، قانا، الفلوجة؟
كيف ينبري مثقفون عرب، بل وبعضهم يوصفون بالمفكرين، لتبرير هذه المواقف وتسويقها؟ وأين هم من إخوتهم العرب الآخرين المقهورين والمستعبدين في عواصم عربية أخرى؟
نعم، من حق الشعب الليبي أن يثور، وأن ينال حريته وكرامته المستباحتين. ولكن، ليس من حق مثقف أو مفكر عربي أن ينادي بالتدخل الأميركي العسكري. وللتذكير فقط، فإن قرار مجلس الأمن ينصّ على توجيه ضربات عسكرية مباشرة على الأراضي الليبية، وعلى حق كل دولة في تنفيذ ما تراه مناسباً «لحماية المدنيين الليبيين»!
ثمة مثقفون من هؤلاء، يتصرفون بدافع من نيات حسنة، وهم قلة بالطبع، ولكن كثيراً من هؤلاء نعرف تاريخهم في التسويق للتسوية مع العدو الصهيوني، ونعرف مدى احترامهم للرواية الصهيونية التاريخية.
أجل، نحن مع الأمة العربية في طموحاتها وأحلامها وأشواقها إلى الحرية والكرامة والحق والعدل، ولكننا لسنا مع هؤلاء المثقفين العرب، مفكري البلاط الانتهازيين، الذين يرتدون في كل عاصمة عربية ما يناسبها من قناع وزي، وينشدون في كل عاصمة نشيدها الوطني بخشوع، من أجل بعض الفتات في صرّة عابرة!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.