وزارة صحة بلا دواء!

لا يمكن أبداً أن يقتنع العقل بقصة نقص الأدوية في المستشفيات التابعة لوزارة الصحة في الدولة، ولولا أن الخبر أكده مديرو مستشفيات، وقالوا إن هناك «نقصاً شديداً في الدواء منذ أشهر»، لاعتبرنا ذلك «كذبة أبريل»، مع أنه يفصلنا عن شهر أبريل 10 أيام.

المسألة لا يمكن اعتبارها مشكلة عابرة، بل هي صعبة للحد، الذي اضطر فيه أطباء إلى تأجيل جراحات قلب مفتوح، انتظاراً لوصول عقار يوقف القلب أثناء الجراحات، وللحد الذي قال فيه مسؤولون إن النقص يشمل 38 صنفاً دوائياً مهماً، تشمل الأنسولين طويل الأمد، وهو مهم لمرض السكري، خصوصاً أن ربع سكان الإمارات مصابون بالمرض، وتشمل كذلك أدوية مخدرة تستخدم لجراحات الولادة، وأدوية أخرى تصنف على أنها منقذة للحياة.

وزارة الصحة أعلنت في مقابل ذلك، أنها ستطلب مخصصات مالية إضافية من وزارة المالية لتغطية احتياجاتها، ولكن قبل أن تفعل ذلك، ألا يحق لنا أن نتساءل عن سبب وصول المشكلة إلى حد الأزمة الحقيقية؟ أليس من الطبيعي أن نسأل عن مكونات الميزانية المخصصة لوزارة الصحة، التي تبلغ مليارين و333 مليون درهم؟ وأين ذهبت مخصصات الأدوية من هذه الميزانية، للدرجة التي تصبح فيها مستودعات الأدوية في بعض المستشفيات خالية تماماً، بعد مرور ثلاثة أشهر فقط من العام الجديد؟!

جميعنا يعلم أن الوزارة تسعى إلى ترشيد الإنفاق، ولكن هل يجوز الترشيد على حساب توفير الأدوية الأساسية والمهمة؟ وهل يجوز خفض الموازنات المخصصة للدواء في كل مستشفى من دون الرجوع إلى مدير المستشفى، أو الأطباء، من أجل سد العجز في مصادر إنفاق أخرى؟!

بالتأكيد إن تم ذلك، كما يؤكد كثير من المسؤولين في المستشفيات، فإن معالجة الخطأ في وزارة الصحة تمت بخطأ أكبر منه بكثير، فكيف تقرر الوزارة خفض موازنات الدواء في مستشفيات كبيرة بنسبة لا تقل عن 60٪؟! هذا ما حدث في مستشفى القاسمي، الذي يعتبر أهم وأكبر مستشفى يتبع الوزارة، إذ انخفضت موازنة الدواء من 80 مليوناً إلى 32 مليون درهم!

مشكلة النقص الشديد في الدواء، هي مشكلة إدارية بحتة، لا تكمن فقط في محاولة ترشيد الإنفاق على حساب الأدوية، لكنها عديدة ومتشعبة، فوزارة الصحة تفتقد وجود دليل موحد لعملية شراء الأدوية، وهناك عشوائية في شراء الأدوية من دون تحديد الأولويات، كما ألغيت إدارة التموين الطبي، وأصبحت الوزارة منذ عام 2008 بلا إدارة مختصة بالتموين، ولا إدارة مختصة بالمستودعات الدوائية، والأكثر من ذلك أن المسؤولين الذين يديرون شؤون الدواء في الوزارة ليسوا صيادلة ولا أطباء!

ليس هذا كل شيء، وهناك أسباب أخرى، فلا يوجد ربط إلكتروني بين المستشفيات، ما يعني أن مريض السكري مثلاً، الذي يحصل على كمية دواء من مستشفى أم القيوين، يستطيع أن يحصل على الكمية نفسها من مستشفى دبا في اليوم التالي، وفي مقابل ذلك أيضاً، لا رقابة على الأطباء أنفسهم في صرف الدواء، فالطبيب يمكن أن يصرف أي كمية للمريض، وهذا سبب مباشر للنقص في بعض الأصناف!

كل ذلك، يعكس سوء التخطيط، وسوء إدارة في وزارة الصحة، وهما المبرران الوحيدان ليقبل العقل وجود مشكلة نقص شديد في الأدوية، في دولة ترسل يومياً آلاف الأطنان من المساعدات الغذائية والدوائية إلى فقراء العالم وجياعه ومرضاه!

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

الأكثر مشاركة